المُؤمنين في إِخْوانِهم، إِذَا رَأوا وَقَد خَلصوا مِن النَّار، فَيقولون: أي رَبَّنا، إخواننا كانوا يُصلون مَعَنا، ويَصُومون معنا، ويجاهدون معنا، ويَحَجُّون معنا، قد أَخَذتهم النارُ، فَيُقال: اذهبوا، فَمَن عَرَفتم صُورَته فَأَخرجوه، ويُحَرِّم صُورَهَم عَلى النار، فيجدون الرجل قَد أَخذته النَّار إلى قَدَمَيه، وإلى أَنصَافِ سَاقَيه، وإلى رُكْبَتيه، وإلى حِقْوَيه، فَيُخْرِجُونَ مِنْهَا بَشرًا كَثيرًا، ثم يَعودون ولا يَزَالُ يَقُول لَهُم ذَلك حَتى يقول لهم: اذهبوا فَأخرِجُوا مَن وَجَدتم في قَلْبِه مِثقالَ ذَرَّةٍ فَأَخرجوه - فكان أبو سعيد إذا حَدَّث بهذا الحديث قال لهم: إن لم تُصَدِّقُوني فاقرءوا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]- فيقولون: ربنا لم نَذَر فيها خَيرًا، فيقول: هل بَقِيَ إِلَّا أَرْحَم الرَّاحِمِين؟ فيقول قد شَفَعت الملائكةُ، والأنبياءُ، وشفع المؤمنون، فهل بقي إلا أرحم الراحمين؟ فَيأخذ قَبضَة من النار، فَيُخرج قَومًا قَد عَادُوا حُمَمًا، لم يَعملوا له خَيرًا قَطُّ، فَيُطرَحون في نَهرٍ في الجنة يقال له: نَهْرُ الحياة، فَيَنبُتُون فيه، والذي نَفْسُ مُحمدٍ بِيَدِه، كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْل، ألا تَرَوها وما يَلِيها مِن الظِّلِّ صَفْرَاء، وما يليها من الشَّمس أُخَيْضر، قال: قلنا: يا رسول الله، كأنك كنت في المَاشِيَة، قال: فينبتون كذلك، قال: فَيَخرُجُون أَمثال اللؤلُؤ، فُيَجعَل في رِقَابِهم الخَواتِيم، ثم يُرسَلُون في الجَنَّة، فَيُسَمَّوْن الجَهَنَّمِيُّون، هؤلاء الذين أخرجهم الله بغير عَمَلٍ عَمِلُوه، وخَيرٍ قَدَّمُوه، فيقول الله - عز وجل -: خُذُوا ما وجَدتم، فَيأخُذون ويَنْتَقُون، -وقال غيره: فَيأخذون حَتى يَنْتَهوا- ثم يقولون: أَلم تُعطِنا مَا أخذنا، فيقول الله - عز وجل -: إني أعطيكم أفضلَ مِمَّا أَخذتُم، فيقولون: يا رَبَّنا، ومَا أَفضلُ مِمَّا أَخذنا؟ فيقول: رِضَاي فَلا أَسَخَط».