مغربها قبل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم - عليه السلام -، أن يكونَ المُراد بِقَولِهِ: «لا ينفعُ نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبتْ في إِيمانِها خيرًا»، أَنْفُسَ القَرنِ الذين شَاهَدوا تلك الآية العظيمة، فَإِذَا مَضَى ذلك القَرنُ وتَطَاولَ الزَّمانُ، وعَادَ الناس إلى ما كانوا عليه مِنَ الأديان؛ عاد تَكليفُ الإيمانِ بِالغيبِ، وكذلك مَن آمن في وقتِ عِيسى مِمَّن شَاهدَ الدجال، لا ينفعه، ومَن آمنَ مِمَّن لم يُشاهِد؛ نَفَعَهُ، وعَدم انتفاع مَن شَاهدَه بِإيمَانِه لا يَمْنَعُ مِنْ أن تَكونَ الدَّعوةُ في زَمَانِه واحدة، فإنه إذا ترك مِلَّته لم يَدْعُ إليها.
وإن كان في عِلم الله -تعالى- أن يكون طلوعُ الشمسِ مِن مَغربها بَعدَ نزول عيسى بن مريم - عليه السلام -، فَقَد يُحْتَمل أن يكونَ المُراد بِخَبر عبدِ الله بن عَمْرٍو، آيات أُخَر (?) سِوى خروج الدَّجال، فيكون قَبل تِلك الآيات، طلوعُ الشَّمسِ من مَغربها، إِذْ لَيس في نَصِّ الخبرِ أَنَّ ذلك يكون قبلَ خروج الدجال، وإِنَّما النَّصُّ فيه عن عبد الله بن عمرو، وما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحتمل لما ذكرنا، والله أعلم.
غيرَ أن رواية أبي حازم تَمنَعُ من تخصيص طُلوعِ الشمس بذلك، فَحَمْلُ ذلك على ما ذكرنا أولى، وبالله التوفيق.
وأما ظهورُ الآيات على الدجال، وغَيره مِمَّن يَدَّعِي الرُّبُوبية بَاطِلًا، وعَدمُ ظُهُورِهما عَلى من يَدِّعي النَّبوَّةَ كاذبًا؛ فلأن مُدِّعِي الربوبية بَاطلًا، غَيرُ مُنْفَكٍ في نَفسه عَن دَلائِل الحَدث، وأَمَاراتِ الخَلْق، فلا يُؤدِّي ظهورُ الآيات عليه إلى الْتِبَاسِ حاله، وأَمَّا مُدَّعِي النُّبوةَ، فإنه يَدَّعي أمرًا مُمكِنًا، إِلا أَنَّه مُغَيَّبٌ ولا شَاهد في نَفسه عَلى أَنَّه مُحِقٌّ أو مُبْطِلٌ فيه، فَلو أُمِدَّ بالمعجزة وهو