ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل
ولعل صنع الله في طيها عنك أكثر من انتشارها عليك.
وما أحسن ما قال عبد الله بن طاهر بن صفة الدنيا حين كتب إلى المعتصم: أما بعد، فإن الدنيا قد عاينت نفسها بما أبدت من تصرفها، وأنبأت عن مساوئها بما أظهرت من مصارع أهلها، ودلت على عوراتها بعين حالاتها، وقطعت ألسنة العز فيها عين زوالها. وشهد إخلاق شؤونها على فنائها. فلم يبق لمرتاب في أمرها ريب، ولا لناظر في عواقبها شك، بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين، وكشفوها أبرز تكشف، ثم أضلتهم الأهواء عن منافع العلم، ودلتهم الآمال بغرور، فلججوا في غمرات العجز، فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة، ورتعوا في عراضها عارفين بالخدعة، وكان يقينها شكاً، وعلمهم جهلاً، لا بالعلم انتفعوا، ولا بما عاينوا اعتبروا، قلوبهم عالمة جاهلة، وأبدانهم شاهدة غائبة، حتى طرقتهم المنية، فأعجلتهم عن الأمنية، فبعثتهم القيامة. وأقدمتهم الندامة، وكذلك الأمل: ينسئ طويلاً ويأخذ وشيكا، فانتفع امرؤ بعلمه وجاهد هواه أن يضله، وخاف أمله أن يغره، وقوي يقينه على العمل، ونفي عنه الشك بقطع الأمل، فإن الهوى والأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه، وإذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه، فصريعهما لا ينهض سالماً وخديعهما لا يزال نادماً، والقوي من قوي عليهما، والحارس من احترس منهما؛ ألبسنا الله وإياكم جنة الحذر، ووقانا وإياكم سوء القضاء والقدر.