هذا فن لا تستغني - أعزك الله - عنه عند موازنة الكلام، وتشقيق اللفظ، وإيضاح المراد، وتمييز المتشابه؛ فغص على بابه بالقياس الصحيح والسماع الفصيح، وستقع من ذلك على شيء كثير في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وإنما أقلبك من فن إلى فن لئلا تمل الأدب، فإنه ثقيل على من لم تكن داعيته من نفسه، والله يهديك كافياً ونصيراً.
سمعت القاضي أبا حامد المروروذي يقول في كتاب أدب القاضي حاكياً أن الشهادة كانت شائعة بين المسلمين ولم تكن مقصورة على ناس معروفين: قد اتخذوا العدالة حبالة، ونصبوها شركاً ومحالة. وكان الثوري يقول: الناس عدول إلا العدول. وكان بعض البصريين يكره أن يقول العدول ويقول هؤلاء المعدلون. نعم، قال: حتى ظهر إسماعيل القاضي صاحب المبسوط على مذهب الإمام مالك، فجعلها في بيوت منسوبة معروفة، وأستمر القضاة بعده على ذلك، وقال: رحم الله أبا عمر القاضي، فإنه عدل بعض البغدايين، فبلغه عنه في تلك الحال أنه رقص فرحاً، فأسقطه لفرحه وخفته، وقال: كان ينبغي أن يزداد وقاراً في الدين، ورصانة فيما تحمل من المسلمين للمسلمين.
وقال أيضاً أبو حامد: حدثني علي بن أبان الطبري، وكان