كان العباس يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للمقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه؛ والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر حقروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقرانه يقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف الملزم.
قال أعرابي: أجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق، وتطعم الجردق.
قيل لأعرابي: ما السرور؟ قال: كثرة المال، وقلة العيال.
قيل لفيلسوف: فيم السرور؟ قال: في إيضاح حق قد ألتبس بباطل، وإزالة باطل قد جار على الحق.
قيل لصوفي: فيم السرور؟ قال في توحيد يقام شاهده، ومقام يصدق وارده.
أنشد ابن الأعرابي: الكامل
إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق
ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... فأصد عنه ببقيتي وترفقي
ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق