وهذه لغة قد فشت في زماننا حتى كأنهم فيها أعراب عامر. لقد جرى بعض هذا الفن عند رجل رئيس فقال: الأمر في هذا الشأن أسهل من ذلك وأهون، لأن الأحتفال والتيقظ لا يلزمان إلا في فرائض الدين وآداب الشريعة، والأستظهار والحفظ لا يستعملان إلا في تخليص النفس وحراسة الطبيعة، فأما البلاغة في الكتابة والتوقي فيها من الزلة، وأخذ الأهبة في الإفهام والأستفهام، فمن الكلف الموضوعة والأثقال المحطوطة، واللائمة تلصق بطريقها أكثر، والعيب يلزم من يغلو فيها أشد، وإغفال هذا الباب أشبه بمذاهب أهل الصلاح والنسك من نصحه خوفاً من مكابرته، ودافعاً للدواء مع تمكنه من دائه وتسهيله لشفائه، جاهلاً بثناء الله عز وجل على العلم والعالم في مواضع من كتابه؛ قال الله عز وجل: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم " آل عمران: 18.
ومن عرف المتبوع من التابع، حط التابع عن درجة المتبوع، والعلم هو المتبوع، والعمل هو التابع، وبالعلم يصح العمل، ولا يصلح العلم إلا بالعمل، وقليل العمل مع كثير العلم يسد خللاً ظاهراً، ويرقع فتقاً منكراً، والثواب في الصبر على دفع الشبه إذا حلت، وصرفها بالحجج إذا أطلت، أضعاف الثواب على العمل؛ والعمل أيضاً لا يبرأ من رياء يحبطه، وكبر يفسده، وأكثره لا يخلص، وأقل العلم فيه تنبيه وإفاقة وخبرة بأسرار الله تعالى في خلقه، وإشراف على صنع الله لعبيده، وتشبث بأذيال عزه، واقتباس من نور وجهه، وشوق إلى طلب الزلفى من عنده.
ولعمري فالعلم بالعمل أحسن، كما أن العمل بالإخلاص أزين، ولكن