الذي بيده ينقاد الصعب، ويذل الشرس، وينجلي المظلم، وينفتح المبهم، ويؤاتي الممتنع، ويعود البعيد قريباً، والقريب سهلاً، والسهل حاضراً، والحاضر هنياً، والهني مستداماً، وأجتهد في طلب العلم، وأقتباس الأدب، وتحصيل الحكمة، اجتهاد من لا يرى لكونه فائدة إلا بها، ولا يعرف لحياته عائدة إلا منها، ولا لعقله مرجوعاً إلا معها، وصن نفسك بأمتهانها في مطانها، وأبل العذر منها غير تارك ممكناً، ولا مهمل مستطاعاً، وخذ بزمامها إلى البصرة، وأشعرها حلاوة الحكمة، وألبسها جلباب المعرفة، وزينها بأنوار العصمة، وبصرها مواقع اليقين، وروحها بمواد السكون، وشوقها إلى مقعد الصدق، وأطرابها بأغاني الملكوت، وأجلها في رياض القدس، وناغمها بأسرار الحق، فإنها إن أجابتك - أعني نفسك - أفقت من سكرة الدنيا. وربحت الآخرة والأولى، وشهدت غيباً لا عبارة عنه، وأصبت نعيماً لا متمنى فوقه، وأعلم أنك وعاء قد ملىء سراً، وظرف قد حشي نوراً، وجرم أسكن حكمة، وبحر أودع دراً، وإنما ينبغي لك أن تعرف منك ما هو فيك، بترتيب العقل الموهوب لك، وتنبىء عنه بتفصيل اللسان الخطيب عليك، فلا تأس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تثق بالعلم ما دمت مقصراً في العمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015