ليس هذا الفصل من كلامي، ومن لي بهذه الديباجة الخسروانيّة، وبهذه الحكمة الرّوحانية! قدري مخفضّ عن هذا وما ضارعه، لكنّي وجدته منسوباً إلى الحسن بن سهل، ولعله أخو ذي الرياستين، فرسمته في هذا الكتاب حتى كأنّي ناهبت ونافست، وادّعيت الكمال وأشرت إلى العصمة.

وأرجو أن يكون اختلاف كلامهم في معاتبتي صادراً عن صدورٍ نقيّة، فقد والله أتعبوني، وأكلوني وشربوني، فمن قائلٍ: ما أحسن هذا الكتاب لولا ما حواه من السّخف والقاذورة، وذكر الهنات وألفاظ السّفلة؛ وقال آخر: كلّ ما فيه حسنٌ لو خلا من اللغة والنحو، فليس هذا الموضع الجدّ لا يمتزج بالهزل، والعلم لا يختلط بالجهل، والحكمة لا تنزل في جوار السّفه، والرّشد لا يتّصل بالغيّ؛ ومن قائلٍ: جميع ما فيه أحسن من كلامك؛ ومن قائلٍ: ما مزيّة هذا الكتاب على جميع ما تقدّم من الكتب، وهل فيه فنٌّ إّلا وهو متقضىً في معدنه، مأخوذٌ من أهله على أحسنه، وهل ينتدب إنسانٌ لجمع كلامٍ وتأليف كتابٍ - مع هذا الاحتفال - إّلا وهو يحبّ الزّيادة على النّقص، ويودّ رفع جهلٍ قد ثبت، ويقصد رقع واهيةٍ قد تركت - وكلامٌ كثير قد أهملت روايته على وجهه، وبرمت باعتقاده فضلاً عن إثباته، وجميع ما قيل موهوبٌ لهم رعايةً لآدابهم، ومحافظةً على ذمام الحكمة بيني وبينهم، ومسائلتهم قبول الاعتذار إليهم. ولما احتجت إلى هذا السّلم - علماً بأن حجّتي داحضةٌ، وبرهاني مدخولٌ، وبياني قصيرٌ - ثقةً بأنّ الزمان يديل، والفلك دوّار، وأنّ اللائمة ستشمت، والاستقصاء سيفرّق، والظلم سيصرع، والإساءة ستندّم.

أنشدني بندار بن غانم الحلواني الكاتب لنفسه في حالٍ التاثت بينه وبين منافسٍ له في الرّتبة، حاسدٍ له على النعمة يقال له عمرو: المنسرح

يختار عمروٌ عداوتي سفهاً ... وأبتغي سلمه ويمتنع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015