هذا جزاءٌ وقصاص، لأن خالق هذا الخلق غنيٌّ عن آلامهم وفجائعهم، وإنما اكتسبوا على الأيام ما جوزوا به فكوفئوا عليه.
187د - والجواب عن الذي مرّ به ثمامة أنّ فاقئ عين زيدٍ وآخذ مال عمروٍ متعدٍّ حدود الله الذي خلقه ورزقه، وأمره ونهاه، وبالتعدّي استحقّ اسم الظّلم واستوجب العقاب. ألا ترى أنه لما أطلق له ذبح الحيوان كان غير ظالمٍ لأنّه راعى الأمر ووقف مع الإباحة وأتى المأذون فيه، فلما تجاوز الرسم وتعدّى المحدود سمّي بالعاجل ظالماً، واقتصّ منه في الآجل عدلاً؛ وليس كذلك إلهنا عزّ وجلّ، لأنّه خلق زيداً وكان له أن لا يخلقه، ثم وهب له ما رأى متفضّلاً، ثم عرّضه للنعيم الدائم كرماً، ثم ابتلاه اختياراً، ثم قبضه إليه نظراً، ولم يتعدّ في ذلك أمر آمر ولا زجر زاجر، بل تصرّف في ملكه بعلمه وقدرته، غير مسؤولٍ عمّا فعل، ولا معترضٍ عليه فيما أتى، ولو كانت أفعاله موقوفةً على تجويز عقلك وإباحته، وإطلاقه وإجازته، لكان ناقص الإلاهية، لأنّه كان لا يفعل إّلا ما أذن فيه العقل.
واعلم أنّ العقل، وإن كان شريفاً، فإنه خلق الله، حكمه منوط بخالقه، وحاجته إلى الخالق كحاجة الناقص للعاقل، والنّقص لا حقٌ به وجائزٌ عليه، وإنما هو ضياءٌ بيننا وبين الخالق، به نتعاطى ونتواطى، ونتعامل