كله واجباً أي الاضطرار، ومتى كان كله واجباً فحكم كل جزء يشار إليه حكم كله إذا نص عليه. وقال: ألا ترى أن العالم كله موجود، فحكم كل جزء منه أنه موجود، قال: فقد تناول الرزق والحياة والموت والإصابة والحرمان والسعادة والشقاء والقبول والاطراح، وليس لشيء من جميع ذلك في هذا الحكم اختصاص يخرجه عن نظام العالم وتأسيسه في كونه ووجوبه، وفرض الأرض ووضع الواضع لا يخرج من عوارض العالم، ولكنه لا يدخل في جوهر العالم، وإنما ذلك لعلو أفق العلوية، وقوة سلطان العلم، وبه يرى الشيء متلوناً مختلفاً وهو في حقيقته منتظم مؤتلف.
هذا بعض كلام هذا الرجل، ولو استقصيته لاحتجت إلى استئناف كتاب، واحتجت أنت إلى تفريغ بال، وفيا نقشته لك، ونمقته فيعينك، ما يبعث بصيرتك، ويشحذ خاطرك، ويعرض الحق عليك، ويجمع فنون الدليل إليك، فتناول ما تتناول عن كثب بلا دأب ولا تعب، وتتحكم تحكم الآمر المتمكن، فاذكر عند هذه الأحوال حق من سعى لك، وسهر بسببك، وبحث من أجلك، ثم نظمه بين يديك حتى استشففته متخيراً، وأخذت ما أخذت منه مقتدراً، فوفر عليه قسطه من تعظيمك، ونصيبه من حسن ذكرك وطيب تنائك، ولا تفته صيانة العرض من بعد كما أفته منية النفس من قرب، ولا تقبحه بما استاقه إلا أن تجمله بما هو أحسن منه، والسلام.
تداعى - أديك الله - هذا الحديث واضطراب حتى ليس يبين مكان جنابتي من اعتذاري، ولا استسلامي من انتصاري، وذلك كله لعلل وأسرار لو شرتها أو بحت بها لم ترض لي في النار داراً، ولا الدرك الأسفل قراراً، والحمد لله على كل حال، فرضيها متصل بالأمل، ومسخوطها مقرون بالحسرة، وظاهرها متلقى بالتسليم، وباطنها مردود إلى الحي القيوم، وسهلها متناول بالشكر، وعسيرها محتمل بالصبر، ولذيذها مستزاد بالافتقار، ومريرها متجرع بالاضطرار، وقريبها مأخوذ بالحاجة، وبعيدها متمنى