فكأنها تأخذ من الأول، ويأخذ منها الثاني، وكأنها تقبل من فوقها ويقبل مها ما تحتها، علم أن اطراد هذا الباب لم يدع للاختيار شعبة إلا ما ترك الاضطرار.

وقال أيضاً: ومن الاضطرار أن يكون الامتيار، وليس من الاختيار أن يكون اضطرار، فكأن الاضطرار يوجب الاختيار في كونه اختياراً، وليس الاختيار موجباً للأضرار في كونه اضطرار من سنخ العالم وسوسه، والاختيار من حشو العالم وغروسه.

قال: وإنما أشكل المعنى في هذه الدعوى من وجه طريف، وذلك أنه وضع الواضع أن الأمور ثلاثة: واجب وممتنع - وهما الطرفان - وممكن بينهما، وهذا الموضع صحيح لكنه راجع إلى الضرورة، أعني انه من الضرورة أن يكون الممتنع ممتنعاً والممكن ممكناً والواجب واجباً، وكأن الضرورة قد عمت الثلاثة، وقصرتها على ما انقسمت عليه حتى لا ينقلب الواجب عن حد الوجوب إلى حد الإمكان، ولا الممكن إلى الممتنع؛ قال: والذي يؤنسك بهذه القضية، ويجعلك منها على جلية، أنك متى فرضت الواجب واجباً لم تقسمه إلى واجب دون واجب، وكذلك إذا فرضت الممتنع ممتنعاً لن تقسمه ممتنعاً فوق ممتنع، ولا تجدك تفعل ذلك في الممكن، فإنك تقول: الممكن على ثلاثة أنحاء: ممكن قريب من الواجب، وممكن قريب من اممتنع، وممكن متوسط على حسب القرب والبعد من الطرفين، فقد وضح لك أن الممكن موقوف على توهمك وحرصك، وأنه لم يستقل بنفسه، ولم يتحيز بطبعه، ولم ينفرد بقوامه، ولسنا نريد بالممتنع عيناً شأنها الامتناع، فإنه لو كان كذلك كان لا يبعد أن ينقلب ما من شأنه الامتناع مرة إلى ما شأنه الوجوب.

قال: بل أشير بالممتنع إلى نفي صورة الواجب، وإلى رفع فواته، وإلى خلع ما يميل منه؛ قال: قد حال الواجب في كل شيء عدواً، وهو الاضطرار، حتى كأن الممكن واجب أن يكون ممكناً، والممتنع واجب أن يكون ممتنعاً، والواجب واجب أن يكون واجباً، ومتى كان كل شيء من ذلك واجباً كان العالم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015