ويقظته، وكان لا يقطع أمراً دونهما ولا يصدر إلا عن رأيهما، فغبر كذلك دهراً طويلاً؛ قال: فبينما هو ذات ليلة في شغله ولهوه إذ غلب عليه الشراب فأثر فيه تأثيراً أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان، فأكب على الأرض حزناً لهما وأسفاً عليهما وجزعاً لفراقهما، امتنع من الطعام والشراب، وتسلب عليهما، ثم حلف ألا يشرب شراباً يخرج عقله ما عاش، وواراهما وبنى على قبريهما قبتين، وسن ألا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه إلا سجد لهما، وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها وأوصى بها الآباء أعقابهم؛ قال: فغبر الناس بذلك دهراً لا يمر بالقبر أحد صغير ولا كبير إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأثراً كالشريعة والفريضة، وحكم في من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم له في خصلتين يجاب إليهما، كائناً ما كان؛ فمر بهما يوماً قصار ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فقال الموكلون بالقبرين للقصار: اسجد، فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول، فأبى، فرفع إلى الملك وأخبر بقصته فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: قد سجدت ولكن كذبوا علي، قال: الباطل قلت، فاحكم في خصلتين فإنك تجاب إليهما وإني قاتلك، قال: ولا بد من قتلي بقول هؤلاء؟ قال: لا بد من ذلك، قال: فإني أحكم أن أضرب رقبة الملك بمدقتي هذه ضربتين، قال له الملك: يا جاهل، لو حكمت علي بما يجدي على من تخلف كان أصلح، قال: ما أحكم إلا بضربة لرقبة الملك، فقال الملك لوزرائه: ما ترون فيما حكم هذا الجاهل؟ قالوا: نرى أن هذه سنة أنت سننتها، وأنت تعلم ما في نقض السنن من العار والبوار وعظيم الإثم، وأيضاً فإنك متى نقضت سنة نقضت أخرى، ثم يكون ذلك لمن بعدك، فتبطل السنن، قال: فاطلبوا إلى القصار أن يحكم بما شاء ويعفيني من هذه فإني أجيبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015