والشر، والنفع والضر، وأدرك به علم ما غاب عنه وبعد منه. والدليل على أن الله - عز وجل - إنما فضل الإنسان بالعقل دون غيره أنه لم يخاطب إلا من صح عقله، واعتدل تمييزه، ولا جعل الثواب والعقاب إلا لهم، ووضع التكليف عن غيرهم من الأطفال الذين لم يكمل تمييزهم والمجانين الفاقدين لعقولهم والعقل حجة الله سبحانه على خلقه، والدليل لهم إلى معرفته، والسبيل إلى نبل رحمته، وقد أتت الرواية بأن الله عز وجل لما خلق العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب؛ أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب وأثيب، وبك آخذ وبك أعطي. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لهشام: يا هشام إن لله سبحانه حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل، وأما الباطنة بالعقل؛ وعنه عليه السلام أنه قال "حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل. ولولا العقل الذي بان به ذو التمييز من ذي الجهل لما كان بين الإنسان وبين سائر الحيوان فرق في تولد ولا نمو، ولا حركة ولا هدو، ولاأكل ولا شرب، لأن سائر البهائم شركاؤه في ذلك، فبالعقل إذاً تنال الفضيلة وهو عند الله جل وعز أقرب وسيلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015