رعيته هذه السياسة صحت له عليهم الرياسة، وصلحت أخلاقهم، واستقامت طاعتهم، وأقبلوا على منافعهم، وتركوا ما لا عائدة فيه عليهم، ولا فائدة في استعماله لهم، وانتفعوا وانتفع بهم إن شاء الله. فهذه أبواب الكتابة الظاهرة.
فأما الكتابة الباطنة: فإن القول لما كان فيه ما يحتاج الإنسان إلى ستره وكتمانه، ورمزه لنوع من أنواع الرأي في استعمال ذلك، ووجه من وجوه المصلحة المقصودة فيه، حتى لا يقفع عليه إلا من وثق به، وسكنت النفس إليه، وجعلت الترجمة والتعمية في الكتاب بدلاً من اللحن والرمز والإشارة، وسائر ما ينبغي به القول، فعمي وترجم به الكتاب ما أريد ستره وكتمه، كما رمز وعمي من القول ما أريد ستره.
وقد قلنا: إن الكتابة تتغير في كل مكان، يتغير أوضاع أهلها، وحروفها المستعملة كثيراً في اللسان العربي تسعة وعشرون حرفاً، منها ثمانية وعشرون حرفاً لها صورة معلومة غير الألف، فإنها لما كانت ساكنة أبداً، وكان لا يوصل إلى النطق بساكن وصلت باللام لتكون حركة اللام مفتاحاً للنطق بها، فجعلت "لام ألف" فأما الألف التي في أول حروف المعجم فليست ألفاً على الحقيقة، وإنما هي همزة تسمى الألف الحقيقية على الاستعارة.
وقد تقع في لغات العرب التي يستعملها بعضهم حروف لا صورة لها مثل همزة بين بين، والألف الممالة إلى الياء، والألف المفخمة بالواو، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي، والجيم التي كالكاف، وكان من الواجب أن يفرد كل حرف من حروف المعجم بصورة، لكنهم استثقلوا ذلك، فجمعوا حروفاً كثيرة، وحرفين بصورة واحدة كالباء