والتعصب والتلفف بإجماع الكلمة واتفاق النية، والائتلاف فيما بينهم، فبذلك أمر الله - عز وجل - حيث يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} وحيث يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} وقد قالت القدماء: بالجماعة تمام أمر الدنيا، وعليها مدار الغلبة، ومن دواعيها وتوابعها الأمن والسلام، ومن توابع الفرقة الخوف والهلكة والفتنة، فما مثل الفرقة إلا مثل الموت المفرق بين الروح والجسد، ولا مثل الألفة إلا مثل الحياة الجامعة لهما، المظهرة لأفعالهما ومنافعهما، ألا ترى أن الشعرات المتفرقة تكون في نهاية الضعف والدقة، فإذا قتلت كان منها الحبال التي تصوع بها الجواميس والفيلة؛ وإنا لنجد الدواب والطير قد كاست وأبصرت الصلاح في الجماعة، فهي تألفها وتنفر من الوحدة وتهرب عنها، وكفى بالإنسان فندا وجهلاً أن يقصر فهمهم عما أبصرته النملة، وفهمته النحلة، وما أشبهها.

والجماعة لا تكون إلا برئيس جامع لها، وإلا قل لبث اجتماعها وتفرقت كلمة أهلها ولا رياسة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا لشريعة، ومتى خالف الذي يأخذ الناس بالشرع شريعته كان المأخوذون بها إلى الخلاف لها أسرع وليعلم الوزير أن التودد من الذليل يعد ملقاً، والتودد من العزيز يعد تواضعاً ونبلاً، فيتودد إلى العامة ينل بذلك محبتهم، وشرف الذكر فيهم ولا يقتصر على التودد إليهم دون إيداع الهيبة صدورهم، وغلا لم يكن للتودد موقع عندهم، فإنه إذا ساس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015