حذرت منه الحكماء، ونهت عنه العلماء، من التعرض لوضع الكتب، إذ كانت نتائج اللب، وكان المتجاسر على تأليفها إنما يبدي صفحة عقله، ويبين عن مقدار علمه أو جهله، ثم رأيت حق الصديق عند العلماء فوق حق الشقيق، ووجدتهم يجعلون الإخوان من عدد الزمان، فقال سيدنا - عليه السلام - المرء كثير بأخيه، وسئل بعضهم، قيل له: أيما أحب إليك أخوك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقاً. وقال بعضهم: الإخاء الصادق أقرب من النسب الشابك. وقال بعض الفلاسفة: الأصدقاء نفس واحدة في أجساد متفرقة، وقال مولانا - عليه السلام -: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الشجاع إلا عند الحرب، ولا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا يعرف الصديق إلا عند الحاجة إليه، فلما تذكرت ذلك وتدبرته، تحملت لك تأليف ما أحببته ورسمته، على علم مني بأن كتابي لابد أن يقع في يد أحد رجلين: إما عاقل يعلم أن الصواب قدصي، والحق إرادتي، وأن نية الرجل أولى به من عمله فيتغمد سهواً إن وقع من، ويغتفر زللا صدر عني، ويعود بفضل حلمه على زللي، ويصلح بعلمه خطئي، فقد وجب ذلك عليه لي، لاعترافي قبل اقترافي، وإقراري بالتقصير الذي ركب في جبلة مثلي، وإما جاهر أحب الأشياء إليه عيب ذوي الأدب، والتسرع إلى تهجينهم، وذكر مساوئهم، وذلك لمنافرته إياهم، وبعد شكله من أشكالهم، ومن أراد عيباً وجده، ومن فحص عن عثرة لم