قد أعطاه منزلة لم يعطها أحداً بعد السلطان غيره، فيقابل نعمة الله عنده في ذلك بما يستحقه من الشكر عليها، وتأدية الأمانة فيها إلى أهلها، فإنه يجمع بذلك الفوز عند الله - عز وجل -، والذكر الجميل في العاقبة، وإن كان ممن [لا] يعتقد إمامة من سلطانه، ويرى أنه غاصب على ما في يده، فليس اعتقاده ذلك مما يطلق له غشه، ولا يرخص له في ترك نصحه لأحوال منها:
أنه قد قبل نعمته، وشاركه في أمره فوجب عليه المكافأة على النعمة، وأن يعلم أن وزره في معاونته، والدخول معه فيما غضب عليه، أعظم من الوزر في تأدية الأمانة إليه؛ ومنها أن الله عز وجل قد أمر بتأدية الأمانات إلى أهلها أمراً عاماً، لا يجوز تخصيصه إلا ببيان منه. وقد روي عن الصادقين - عليهم السلام - ما يدل على أن الأمر بذلك عام، وهو قولهم: أدوا الأمانة ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء؛ ومنها أنه لا بد للناس مع فقد أئمة العدل من السلطان، لأنهم لو فقدوا السلطان مع عدم الأئمة لأكل بعضهم بعضاً، لكن مثل السلطان وإن جار، كمثل المطر الدائم الري، وإن كان يضر بالأبنية، ويقطع المسافر وذا الحاجة، فما ينفع الله به من إخراج الثمرات، والزيادة في الأقوات أكثر. وقد روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال في حديث طويل، ولابد من إمارة برة أو فاجرة"، قيل له: هذه البرة قد عرفناها، فما الفاجرة؟ قال: "يقال بها العدو، ويجبى بها الفيء، ويؤخذ بها على يد الظالم" في قول كثير قبل ذلك وبعده. ثم إن الوزير محتاج إلى معاملة طبقات من الناس، فمنهم سلطانه، ومنهم حكامه، ومنهم جنده، ومنهم عماله، ومنهم خاصته،