فإن أعماله واسعة، وأشغاله كثيرة، ومتى أراد مباشرة جميعها بنفسه أوضاع أكثرها، فقد قيل: إذا ألزم الراعي نفسه مباشرة ما ينبغي أن يفرضه إلى الكفاءة، وفوض ما ينبغي أن يباشره بنفسه إلى غيره ضاع أمره، والسلطان يزيد برأي وزيره استبصاراً كما يزيد المصباح بالدهن ضياء، وإنما يظفر للسلطان من الراحة واللذة والأمن والاستبانة بمقدار ما يظفر به من الوزير الصالح، ولو لم يكن في البيان عن الحاجة إلى الوزير الصالح إلا قول موسى - عليه السلام - وهو نبي، ويكلمه الله - عز وجل - وحيه، ولو استغنى أحد عمن يؤازره لا يستغني هو لموضعه من ربه: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}. وليس ينبغي للسلطان أن يختار من الوزراء إلا الذي يجمع مع الصلاح أدباً وحكمه، ومع العقل تجربة وحنكة ومن يجري على عرق في الخير معروف، وديدن في ذلك من آبائه مألوف، وأن يكون من بيت رياسة، فإن ذلك مما يعنيه على صحة السياسة، لأن العروق عليها ينبت الشجر، وقل أصل طاب إلا طاب فرعه. فإن اتفق له من يجمع الفهم والدراية بنفسه، وينزع إلى رياسة في أصله، فقد تم له ما يريده، وإلا طلب من يجتمع له العقل والدراية، ولا عليه ألا يكون من أصل شريف، ونسب معروف، فإنه قد يكون الإنسان بفضله نسباً لمن بعده من أهله، ويكون آخر شين أصله فضيحة لمن ساد من أهله، وأن يكون من ذوي المودة للسلطان والاعتقاد لولايته، ومن لا يذيع له سراً، ولا يحابي في رأي يراه صواباً له أحداً، فإذا وجد ذلك فوض إليه، واعتمد عليه. وينبغي للوزير أن يعلم أن الله - عز وجل -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015