فَأَتَى بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُعَدِّدِ الْآلِهَةَ وَلَا تَتَّخِذْ عَدَدًا تَعْبُدُهُ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ

الرَّابِعُ: أَنَّ "اتَّخَذَ" هِيَ الَّتِي تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَيَكُونُ: {اثْنَيْنِ} مَفْعُولَهَا الْأَوَّلُ وَ {إِلَهَيْنِ} مَفْعُولَهَا الثَّانِي وَأَصْلُ الْكَلَامِ لَا تَتَّخِذُوا اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ ثُمَّ قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَيَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَنَّ إِلَهَيْنِ أَخَصُّ مِنَ اثْنَيْنِ وَاتِّخَاذُ اثْنَيْنِ يَقَعُ عَلَى مَا يَجُوزُ وَعَلَى مالا يَجُوزُ وَأَمَّا اتِّخَاذُ اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ فَلَا يَقَعُ إلا على ما يَجُوزُ وَقَدَّمَ إِلَهَيْنِ عَلَى اثْنَيْنِ إِذِ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ اتِّخَاذُهُمَا إِلَهَيْنِ فَالنَّهْيُ وَقَعَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ الْآلِهَةُ الْمُتَّخَذَةُ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذكر الاثنين والإلهين إِذْ هُمَا مَفْعُولَا الِاتِّخَاذِ

قَالَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ: وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْجَيِّدُ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ عَلَى التَّأْكِيدِ وَأَمَّا إِذَا جَعَلَ إِلَهَيْنِ مَفْعُولَ تَتَّخِذُوا واثنين صِفَةً فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَخْرُجُ عَنِ الْوَصْفِ إِلَى التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنَ اثْنَيْنِ مَا اسْتُفِيدَ مِنْ إِلَهَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ وَالْجِنْسِ وَالثَّانِي عَلَى مُجَرَّدِ الِاثْنَيْنِيَّةِ

قَالَ: وَهَذَا الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ كل زوجين اثنين} فِي دُخُولِ اثْنَيْنِ فِي حَدِّ الْوَصْفِ إِلَّا أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِتَنْوِينِ كُلٍّ فَإِنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَجَعَلَ التَّنْوِينَ عِوَضًا عَنْهُ وَ {زوجين} مفعول "احمل" أو "فاسلك" و"اثنين" نعت ومن يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْأَمْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ لِكَوْنِهِ حَالًا مِنْ نَكِرَةٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ: احْمِلْ أَوِ اسْلُكْ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَمَنْ قَرَأَ بِإِضَافَةِ كُلٍّ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَجْعَلَ اثْنَيْنِ المفعول والجار والمجرور متعلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015