لَا يَقَعُ إِلَّا فِي الْأَرْضِ قِيلَ فِي ذكرها تنبيه على أن الْمَحَلَّ الَّذِي فِيهِ شَأْنُكُمْ وَتَصَرُّفُكُمْ وَمِنْهُ مَادَّةُ حَيَاتِكُمْ -وَهِيَ سُتْرَةُ أَمْوَالِكُمْ- جَدِيرٌ أَلَّا يُفْسَدَ فيه إذا مَحَلُّ الْإِصْلَاحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَحَلَّ الْإِفْسَادِ
وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نصير} لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ النَّصِيرِ عَنْهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ فَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِبَعْضِهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ قولهم بأفواههم} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصدور} وَنَحْوَهَا مِنَ الْمُقَيَّدِ -إِذِ الْقَوْلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْفَمِ وَالْأَكْلُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَطْنِ- فَفَوَائِدُهُ مُخْتَلِفَةٌ
فَقِيلَ: {بِأَفْوَاهِهِمْ} لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ اللِّسَانِ أَيْ لَا يُعَضِّدُهُ حُجَّةٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَإِنَّمَا هُوَ لَفْظٌ فَارِغٌ مِنْ مَعْنًى تَحْتَهُ كَالْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ أَجْرَاسٌ وَنَغَمٌ لَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُؤَثِّرٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ الدَّالَّ عَلَى مَعْنًى قَوْلٌ بِالْفَمِ وَمُؤَثِّرٌ فِي الْقَلْبِ وَمَا لَا مَعْنَى لَهُ مَقُولٌ بِالْفَمِ لَا غَيْرَ أَوِ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْمَذْهَبُ أَيْ هُوَ مَذْهَبُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ لَا بِقُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ تُوجِبُ اعْتِقَادَهُ بِالْقَلْبِ
وَقِيلَ: إِنَّهُ رَافِعٌ لِتَوَهُّمِ إِرَادَةِ حَدِيثِ النَّفْسِ كَمَا في قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم}