مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَرَقَّى فِي أَطْوَارِ التَّكْوِينِ {فإذا هو خصيم مبين} ، فَهُوَ حِينَ كَانَ نُطْفَةً كَانَ نَاقِصَ الْكَوْنِ كذلك كل مرتبة ينتهي إليها كونه هي نَاقِصَةُ الْكَوْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهَا فَالْوُجُودُ الدُّنْيَوِيُّ كُلُّهُ نَاقِصُ الْكَوْنِ عَنْ كَوْنِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الحيوان}
كذلك: {وإن تك حسنة يضاعفها} حُذِفَتِ النُّونُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الْمِقْدَارِ حَقِيرَةً فِي الِاعْتِبَارِ فَإِنَّ إِلَيْهِ تَرْتِيبَهَا وَتَضَاعِيفَهَا وَمِثْلُهُ: {إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ من خردل}
وكذلك: {أولم تك تأتيكم رسلكم} جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ أَقْرَبِ شَيْءٍ فِي الْبَيَانِ الَّذِي أَقَلُّ مِنْ مَبْدَأٍ فِيهِ وَهُوَ الْحِسُّ إِلَى الْعَقْلِ إِلَى الذِّكْرِ وَرَقَّوْهُمْ مِنْ أَخْفَضِ رُتْبَةٍ وَهَى الْجَهْلُ إِلَى أَرْفَعِ دَرَجَةٍ فِي الْعِلْمِ وَهِيَ الْيَقِينُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} فَإِنَّ كَوْنَ تِلَاوَةِ الْآيَاتِ قَدْ أُكْمِلَ كَوْنُهُ وَتَمَّ
وَكَذَلِكَ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} هَذَا قَدْ تَمَّ كَوْنُهُ
وَكَذَلِكَ: {لَمْ يَكُنِ الذين كفروا من أهل الكتاب} هَذَا قَدْ تَمَّ كَوْنُهُمْ غَيْرَ مُنْفَكِّينَ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ الْمَجْعُولَةِ لَهُمْ وَهَى مَجِيءُ الْبَيِّنَةِ
وكذلك: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} انْتَفَى عَنْ إِيمَانِهِمْ مَبْدَأُ الِانْتِفَاعِ وَأَقَلُّهُ فَانْتَفَى أصله