سِيَاقِ تَعْجِيزِ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْخَلْقِ وَالْمُشَارَكَةِ وَأَمْرُ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ أَيْسَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِكَثِيرٍ فَبَدَأَ بِالْأَرْضِ مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ عَجْزِهِمْ لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ عَنْ أَعْظَمِهِمَا أَعْجَزَ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} ، فقدم السموات تنبيها على عظم قدرته سبحانه لأنه خَلْقَهَا أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الْأَرْضِ كَمَا صُرِّحَ به في سور الْمُؤْمِنِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَى إِمْسَاكِ الْأَعْظَمِ كَانَ عَلَى إِمْسَاكِ الْأَصْغَرِ أَقْدَرَ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا اكْتَفَى مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ بِهَذَا التَّنْبِيهِ الْبَيِّنِ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ!.
قُلْتُ: أَرَادَ ذِكْرَهَا مُطَابَقَةً لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ فَانْظُرْ أَيُّهَا الْعَاقِلُ حِكْمَةَ الْقُرْآنِ وَمَا أُودِعَهُ مِنَ الْبَيَانِ وَالتِّبْيَانِ تَحْمَدْ عَاقِبَةَ النَّظَرِ وَتَنْتَظِرْ خَيْرَ مُنْتَظَرٍ!.
وَمِنْ أَنْوَاعِهِ أَنْ يُقَدَّمَ اللَّفْظُ فِي الْآيَةِ وَيَتَأَخَّرَ فِيهَا لِقَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْبَدَاءَةُ وَالْخَتْمُ بِهِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فأما الذين اسودت وجوههم} .
وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ من اللهو ومن التجارة} .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا أَسْلَفْنَاهُ لَقِيلَ مَا تَكْتُمُونَ وَتَبْدُونَ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِعِلْمِهِ.