وسلمت تبين أنه معنى متلقى من أصول الشريعة وليس حايدا عن المآخذ المضبوطة.
فهذا هو المسلك الحق في درك وقوع المعنى في ضبط الشرع ولهذا رد الحذاق [الاستدلال الذي لا يستند] إلى أصل فإن صاحبه لا يأمن وقوعه في مصلحة لا يناط حكم الشرع بمثلها ولو فرض في أصل معنيان فصاعدا لم يترتب عليهما استفادة الضبط ولم يأمن المستنبط وقوع أحدهما خارجا عن حصر الشرع وضبطه وليس واحد من المعنين بهذا التقدير أولى من الثاني فمن هذه الجهة يتعارضان فلا يمتنع ترجيح أحدهما على الثاني.
788- فإن قال قائلون: بم تنفصلون عن الحائض المحرمة الصائمة؟
قلنا: قد قدمنا جوابا عن هذا سديدا عندنا فإنا نقدر اجتماع تحريمات وآية ذلك أنا ألفينا التحريم قد استقل به الحيض المحض والمفروض إذا في حكم أصول تجتمع تعليلها وتزدحم أحكامها.
789- ولباب هذا الفصل سيأتي في الاستدلال فلا يعتقدن المرء [بأن هذا] اختيارنا في هذه المسألة حتى يقف على ما نراه في الاستدلال رأيا وإن أبى الطالب استعجال الصواب في هذه المسألة فليثق بامتناع علتين لحكم واحد.
والدليل القاطع فيه قبل الانتهاء إلى المباحثة عن أسرار الاستدلال أن ذلك لو كان ممكنا وقد طال نظر النظار واختلاف مسالك الاعتبار في المسائل وما اتفقت مسألة إلا والمختلفون فيها يتنازعون في علة الحكم تنازعهم في الحكم ومن تدبر موارد الشريعة ومصادرها اتضح له ما نقول على قرب.
790- فمن أمثلة ذلك مسألة الربا ومن ادعى أنها مختصة من بين سائر المسائل باتفاق الإجماع على اتحاد العلة فيها فقد أحال الأمر على إبهام والمنصف لا يستريب في أن خوض النظار في مسألة الربا كخوضهم في غيرها من المسائل ولما ثبت الخيار للمعتقة تحت الرقيق وكان ذلك مجمعا عليه والإجماع مستند إلى الحديث ثم اختلف العلماء في إثبات الخيار للمعتقة تحت الحر ومنشأ اختلافهم في ذلك من اختلافهم في تعليل الخيار في حق المعتقة تحت الرقيق فاعتل أبو حنيفة رحمه الله بأنها ملكت نفسها وزعم أن ذلك يجري في حق المعتقة تحت الحر وأبطل الشافعي رحمه الله هذا التعليل واعتل بالضرار على ما يحرره أصحابه وكذلك الإفتاء في كل مسألة يبحث الناظر عنها.