وبما يتمسك هؤلاء بأن يقولوا المتبع في إثبات القياس والعمل به سيرة الصحابة رضي الله عنهم وقد صح عنهم تعليق الحكم بالمعنى الفرد المستثار من الأصل الواحد فاتبعوا فيه.
وأما ربط الحكم بعلتين مستنبطتين من أصل واحد بحيث يجري كل واحد منهما في مجاري اطرادهما وينفرد بمجاري أحكامهما فلم يثبت في مثل هذا نقل ولو كان مثل هذا سائغا ممكن الوقوع لا تفق في الزمان المتمادي ولنقله المعتنون [بأمر الشريعة] ونقل السبر فإذا لم ينقل ذلك دل على أنه لم يقع [وإذا لم يقع] في الأمد الطويل تبين أن الحكم الواحد لا يعلل إلا بعلة واحدة متلقاة من أصل واحد.
فهذا لا حاصل له فإن أصحاب الرسول عليه السلام ما كانوا يجرون على مراسم الجدليين من نظار الزمان في تعيين أصل والاعتناء بالاستنباط منه وتكلف تحرير على الرسم المعروف المألوف في قبيله وإنما كانوا يرسلون الأحكام ويعقلونها في مجالس الاشتوار بالمصالح الكلية فلو كانوا لا يبدون علة في قضية إلا معتزية إلى أصل معين ثم صح في البحث عن نقل الرواة ما ذكره هذا المعترض لكان كلاما.
786- ومما ارتبك في الخائضون في هذه المسألة أن الذين سوغوا تعليق الأحكام بعلل تعلقوا بتحريم المرأة الواحدة بعلة الحيض والإحرام للصلاة والصيام وقالوا قد يجب قتل الرجل بأسباب كل واحد منها لو انفرد لثبت علة على الاستقلال.
وقال من يخالف هؤلاء إنما يناط بالمحل تحريمات ولكن لا يظهر أثر تعددها وقد يتكلف المتكلف فيجد بين كل تحريمين تفاوتا وهذا بين في القتل فإن من استحق القتل قصاصا وحدا فالمستحق قتلان ولكن المحل يضيق على اجتماعهما ولو فرض سقوط أحدهما لبقى الثاني ولا يكاد يصفو تعليق تحقيق حكم واحد بعلتين تصورا فهذا منتهى المطالب في النفى والإثبات.
787- والذي يتحصل عندنا في ذلك أن الحكم إذا ثبت في أصل ولاح للمستنبط فيه معنى مناسب للحكم فيحكم في مثل ذلك مع سلامة المعنى المظنون منتهضا عن المبطلات بكون الحكم معللا ويتبين له أن ربط الحكم بهذا المعنى الفرد لائح منحصر في مطالب الشريعة ويجوز تعليق الحكم بمثل هذا المعنى فإنه لم يصح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبط المصالح التي تنتهض عللا للأحكام ولا إطلاق تعليق الحكم بكل مصلحة تظهر للناظر وذي رأى.
فمسلك الضبط: النظر في مواقع الأحكام مع البحث عن معانيها فإذا لاحت.