وَإِنَّمَا أوردت الْفُصُول الْفَاضِلِيَّةِ لِأَن فِي كل فصل مِنْهَا ذكر سيرة وفيهَا فَوَائِد كَثِيرَة وبواعث للخزاطر مثيرة ومباهج فِي مناهج الأنافة والانارة منيفة منيرة وفيهَا أَحَادِيث الْحَوَادِث وأعاجيب الأوعاث والدمائث وَمن جملَة مَا أغفلته
كَانَ الرَّسْم أَن يُؤْخَذ من حَاج الْمغرب على عدد الرؤس مَا ينْسب إِلَى الضرائب والمكوس فَإِذا وصل حَاج حبس حَتَّى يُؤَدِّي مكسه ويفك بِمَا يطلبونه مِنْهُ نَفسه وَإِذا كَانَ فَقِيرا لَا يملك فَهُوَ يحبس وَلَا يتْرك وتفوته الوقفة بِعَرَفَة وَلَا يدْرك فَقَالَ السُّلْطَان نُرِيد أنتعوضأمير مَكَّة عَن هَذَا المكس بِمَال ونغنيه عَنهُ بنوال وَإِن أعطيناه ضيَاعًا استوعبها ارتفاعا وانتفاعا فَلَا يكون لأهل مَكَّة فِيهَا نصيب وَالله على قدر الْخَيْر الَّذِي يتَعَدَّى وَلَا يقْتَصر مثيب فقرر مَعَه أَن يحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة مبلغ ثَمَانِيَة آلَاف إِرْدَب قَمح تحمل فِي جلابها إِلَى سَاحل جدة فيهدي بهَا إِلَى أهل الْحجاز الْجدّة فَإِن الْأَمِير بهَا يحْتَاج إِلَى بيعهَا للِانْتِفَاع بأثمانها ويثق أهل الْحَرَمَيْنِ والفقراء وَمن المكوس واغتبطت النُّفُوس وَزَاد الْبشر وَزَالَ العبوس واستمرت النعمى وَمر البوس وشملت النعماء وكملت الآلاء وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ الله فِي هَذِه الْخيرَات الْمُوفق الْمعِين