وَهلك من فرسَان الفرنج أضعافها وَكَانَ فِي تِلْكَ الحملة أضعافها وَكَانَ لتقي الدّين ولد يُقَال لَهُ أَحْمد شَاب أول مَا طر شَاربه وَمَضَت مضاربه وومضت سحائبه وَهُوَ فِي ريعان شبابه الطرير ووالده من حسنه واحسانه فِي النَّفس القارة والطرف القرير فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي قد جَاءَت نوبتك فَأَيْنَ سطوتك فَأقر عَيْني باقدامك واحسم دَار الْوَرع ببراعتك وحسامك فَحمل وَبلغ الطعان وراع تِلْكَ الرعان وأردى فَارِسًا بردنيته وفرسه وَصد الْعَدو وحبسه وَخرج سالما إِلَى أَبِيه يعْتَقد أَن تِلْكَ النهضة تكفيه وَأَنه يشكره ويغنيه فَقَالَ لَهُ عد يَا أَحْمد فان الْعود أَحْمد وقسا قلبه حَتَّى قيل كَأَن مُرَاده أَنه يستشهد فَقدم الْوَلَد طَاعَة الله وَطَاعَة وَالِده على بَقَاء نَفسه وغامر وَحْشَة الروع بأنسه وأذنت تِلْكَ الحملة الثَّانِيَة بكسوف الشَّمْس وفاز فِي تِلْكَ السَّاعَة وَالْإِسْلَام فِي مأتمه بِهِ فِي الْجنَّة مَعَ الْحور الْعين بعرسه فَمَا كَانَ على الْملك تَقِيّ الدّين لَو أبقى فِيهِ ويبقيه قُرَّة عين لنا ولأبيه لَكِن الْقدر المحتوم سلب الرقة من قلبه حَتَّى رد وديعته وَلَده إِلَى ربه وَكُنَّا نتحدث بعد ذَلِك بشدته وقساوته وحماسته وجوده حَتَّى بمهجة نَفسه وَفضل سماحته وَكَانَ لَهُ ولد آخر اسْمه شاهنشاه فِي الأسار غرته الداعية إِلَى الاغترار فانه خدعه بعض مستأمني الفرنج بِدِمَشْق وَقَالَ لَهُ تَجِيء إِلَى الْملك وَهُوَ يعطيك الْملك وينتظم فِي شركته لَك فِي السلك وزور لَهُ كتابا واستحضر على لِسَان بَعضهم خطابا فسكن إِلَى صدقه وَصَحبه وَلم يدر أَنه خدعه وخلبه فَلَمَّا تفرد بِهِ شدّ وثَاقه وَله وَقَيده وضيق خناقه وَحمله إِلَى الداوية وَأخذ بِهِ مَالا وجدد عِنْدهم لَهُ حَالا وجمالا وَبَقِي فِي الْأسر أَكثر من سبع سِنِين حَتَّى فكه السُّلْطَان بِمَال كثير وَأطلق للداوية كل من كَانَ عِنْده لَهُم أَسِير فغلظ الْقلب التقوي على ذَلِك الْوَلَد خبر هَلَاك أَخِيه وَلما عَاد من الْغَزْوَة زرناه لنعزيه فِيهِ