الاستشعار وَلما تَعَالَى النَّار وَعيلَ الاصطبار وَزَالَ الْقَرار انقض الْجِدَار فأبرت الْبُشْرَى وتباشرت الْأَبْرَار وتسابق النَّاس إِلَى الثلمة واجتلوا لمع الرَّحْمَة من فرج الزحمة
وَكَانَ الفرنج قد جمعُوا وَرَاء ذَلِك الْوَاقِع حطبا وحموا بِهِ عَن أنفسهم عطبا فَلَمَّا وَقع الْجِدَار دخلت الرِّيَاح مِنْهَا فَعَادَت عَلَيْهِم النَّار واحرقت الْبيُوت الدانية مِنْهَا فِي الجوانب وبلوا من كل صوب بالمصائب فَاجْتمعُوا الى الْجَانِب الْبعيد من النَّار وَقد لفحهم وهج الاستشعار وصاحوا الْأمان وأظهروا الإذعان وحنت حمت النيرَان من الهجوم عَلَيْهِم وَالدُّخُول إِلَيْهِم وتسلق الْخلق وتعلقوا فَلَقوا وفلقوا وأطلقوا أَيْديهم فِي الْقَتْل فقادوا وقيدوا وشدوا وشددوا
وَجلسَ السُّلْطَان وَأَنا عِنْده وَقد حمد الله تَعَالَى وَحده فَمن احضر عِنْده من الْأُسَارَى استنطقه فَمن كَانَ مُرْتَدا أَو راميا بجرخ ضرب عُنُقه
وخلص من الْأسر أَكثر من مائَة مُسلم أحضروهم للعمارة وَقطع الْحِجَارَة وَأكْثر من أسر قَتله فِي الطَّرِيق الْغُزَاة المطوعة والرعاع المجمعة وَكَانَ فتحا هنيا ومنحا سنيا
وَمَا ظن لاحكام بنائِهِ وتوثيق رَفعه واعتلائه وتسفيح تله وتسطيح مَحَله وتوعير سبله أَنه يَتَأَتَّى افتتاحه وَيتَصَوَّر اجتياحه وَكَانَ قد بذل فِي هَدمه لليأس مِنْهُ والسلو عَنهُ مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار فَلم يذعنوا بالفرار وَبلغ بالمبلغ مائَة الف فثبتوا على الاصرار وَقَالُوا مَا أنفقنا فِيهِ الْأَمْوَال وَنحن إِلَيْهَا مفتقرون وَقد أخرج الداوية عَلَيْهِ جَمِيع مَا ملكوه وهم بقوتهم مستظهرون وظنوا أَنهم بِهِ يحاصرون الْبِلَاد ويحصلون المُرَاد وَلَو بَقِي الْحصن لم يحصن الْبَقَاء ولدنَا من الْبِلَاد الْبلَاء ولأعضل بِقرب الداوية الدَّاء واعوز الدَّوَاء لَكِن الله نظر لِلْإِسْلَامِ وَنَصره وقمع الْكفْر وقهره وَيسر لنا مَا ظنناه عسيرا وَلم يزل للْمُؤْمِنين نَصِيرًا
وَرَأَيْت السُّلْطَان منتديا فِي حبى الحبور مُسْتَبْشِرًا يتلألأ وَجهه بِنور السرُور وَعِنْده رَسُول القومص معافى وَهُوَ يُشَاهد أهل مِلَّته وَلَا يجد لاستشعار همومه نقع