فَلَمَّا خرجت من عِنْده شيع لي من هداياه وتحفه وألطافه وقرا وَلم يدع أحدا من أكَابِر الدولة إِلَّا حباه بحبائه وحبه وحياه من حَيا سحبه وَكَانَت الْجِهَة الأمامية مالكته قد مَلَأت يَده بِمَال وافر ليصل وَيعود بِوَجْه سَافر فَمَا رَأَيْت رَسُولا وَجه فِي وجاهته ونباهته وهمته ونزاهته وسماحته وسجاحته وَهُوَ ذُو فطْرَة كلهَا فطنة ومكانة مَا تفارقها مكنى ومنحة مَا ترافقها محنة وشغف السُّلْطَان بِهِ وكلف بِقُرْبِهِ واستصحبه مَعَه إِلَى الْغُزَاة والغارة على بِلَاد العداة ووقف بِهِ على الْحصن الَّذِي الستجده الفرنج بالمشهد اليعقوبي واطلع من عورات الْموضع على سر الْغَيْب الربوبي وتخطف من حوله من الفرنج جمَاعَة وَأقَام على أهل الْمعْصِيَة بجهاده طَاعَة وبذل استطاعة وَعَاد وَقد عرف مَا يعزم عَلَيْهِ من أَمر فَتحه وَكَيف يُنْهِي ليل أدلاجه إِلَيْهِ إِلَى صبحه
وَكَانَ السُّلْطَان بِهَذَا الرَّسُول الأمامي مغبتطا مرتبطا وغليه فِي كشف أسراره منبسطا وَلما جهزه ليعود بالعطايا السنايا وَالْخَيْل والسبايا فرقها قبل قفوله وَأبقى لَهُ أنوار حَمده طالعة بعد أفوله وَمن جملَة مَا حمل لَهُ بغلة شهباء مَوْصُوفَة لَا يُوجد لَهَا نَظِير كَأَنَّهَا تَحت السرج هضبة من ثبير وَفِي الجري برق مستطير
وَكَانَ رَسُولنَا ضِيَاء الدّين ابْن الشهرزوري عِنْده حَاضرا وَفِيمَا يبهج من نضارة أَحْوَاله نَاظرا فَقَالَ كنت على طلب هَذِه البغلة من السُّلْطَان وَقد فرحت لَك مِنْهُ بِهَذَا الْإِحْسَان فَقَالَ لَهُ أَنْت أولى بهَا وَبِمَا مَعهَا فَأَخذهَا معما تبعها وفيهَا حصان عَرَبِيّ مَنْسُوب وحجره مَا لَهما قيمَة وَهِي درة يتيمة وَكَانَ إِذا أهديت لَهُ باقة ريحَان جزاها بخلع حسان وانفصل منتصف ذِي الْقعدَة بالإكرام مَوْصُولا وبالأنعام مشمولا