أصاحبنا: ما رأينا أحدا قطّ أبلّ ريقا، ولا أتمّ نفسا، ولا أربط جأشا، من أبي أسيد عمرو هدّاب، كانوا عنده والناس يعزّونه على ذهاب بصره إذ مثل أبو عتّاب الجرّار [1] بين يدية، وهو مثل المحجوم [2] وأبو عتّاب هو إبراهيم بن جامع بن مصاد [3] مولى بلعدويّة- فقال: يا أبا أسيد، لا تحزن على ذهابهما، فإنّك لو قد رأيت ثوابهما في ميزانك لقد تمنّيت أن يكون الله قد قطع يديك ورجليك، ودقّ ظهرك، وأدمى ظلفك [4] ! قال: فلم يبق من القوم أحد إلّا استغرب ضحكا، أو صاح بأبي عتّاب وأراد إسكاته إلّا أبا أسيد نفسه، فإنّه لم يتغيّر لذلك، ولم يظهر منه قبول ولا إنكار، وأقبل على القوم فقال: يرعى له حسن نيّته، ويلغى سوء لفظه.
قالوا: ثم ما لبثنا إلا يسيرا حتّى دخل أبو الشعثاء العنزي [5] وعليه