قال الفارسي: أجيب بأن المراد نفي المالكية الاستقلالية والقدرة الذاتية الكاملة عن غيره تعالى لا مطلقا كما يدل عليه الاستثناء، وقال صاحب معالم التنزيل: إلا ما شاء الله أن أملك فالآيتان ونحوهما تدل على أن ثبوت القدرة الكاملة لله تعالى بذاته لا من غيره ولا تدل على النفي مطلقا بل يجوز أن تكون حاصلة لعباده مفاضا منه ويجوز أن يكون للنفوس الكاملة تصرف في العالم من جهته تعالى بأن يجعلهم متصرفين مدبرين بإذنه ويستجاب لهم دعائهم وتقبل شفاعتهم وينفذ لهم تصرفاتهم، والمدبر المتصرف حقيقة هو الله، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء في صدور التصرفات والكرامات عنهم في الظاهر مظاهر لتصرفاته تعالى كالمرآة المجلوة المتصلة إذا استنارت من الشمس صارت منورة للأجسام المظلمة ويجوز أن تكون حالهم بعد مفارقة أرواحهم عن الأبدان في التصرفات كحالهم قبلها بل أتم وأصفى وأكمل وأجلى.
(قال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله) :
والجواب عن هذا الكلام أن يقال: إن التصرف لفظ عام وعبارة مطلقة يدخل فيها التدبير والتغيير وسائر أنواع الإيجاد والإحداث والإبداع والتأثير والتسخير وغير ذلك من أفعال الربوبية التي تختص به تعالى وكذلك الأسباب العادية التي تقع في عموم الخلق.
والأول هو الذي قصده بقوله: ودعوى حصول هذا لمخلوق مصادمة ومصادرة لنصوص الكتاب العزيز المصدق وفتح لباب الإلحاد والشرك المحقق فإن هذا الأصل أعني اختصاصه سبحانه بالخلق والإبداع والتدبير والتصريف هو أكثر أصول الإسلام وجلها وقاعدته العظمى التي تدور عليها جميع الأحكام وجميع القرآن من أوله إلى آخره يدل على هذا الأصل ويقرره وقد احتج به تعالى على وجوب عبادته وطاعته وأنه الإله الحق دون ما سواه.