وأما فقر العبد وحاجته، ومصلحته، ومفسدته، وغير ذلك، وظاهر أمره وباطنه وشاهده وغائبه فلا يعلمه إلا الله الذي يعلم السر وأخفى، ومن العجب استدلال هؤلاء بما هو حجة عليهم لا لهم فإن هذه الأحاديث فيها أنه يعرض على الميت عمل قريبه وولده وإذا كان يعرض عليه فعلمه قاصر على نفس المعروض لا يتعداه إلى غيره وإذا اختص بالقريب ففيه التنبيه على أنه لا يعلم عمل غير قريبه وإذا اختص بالعمل دل أنه لا يعلم غيره من عموم الأحوال، فالأحاديث والقرآن حجة عليهم لا لهم والحمد لله.
وأما كلام الملا قاري في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيدا فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"، قال نقلا عن القاضي: وذلك أن النفوس الزكية القدسية إذا تجردت عن العوائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل كالمشاهد بنفسها أو بإخبار الملك من السر له فلعل هذا مبني على كلام ابن سينا ومن وافقه من الفلاسفة القائلين بأن الكتب المنزلة فيض فاض من العقل (?) الفعال على النفس المستعدة الفاضلة