كافية في إبطال الاستمداد من الموتى، وطلبهم، والاستعانة بهم وهذا والله أعلم هو مراد من نفي السماع عنهم ممن حكى قولهم الفارسي وتصدى للرد عليهم، ولا نعلم قائلا ينفي سماع الموتى إلا بهذا المعنى.
وما حكي عن أم المؤمنين في إنكار السماع ثبت رجوعها عنه لما بلغتها الأحاديث المثبتة فإذا عرفت أن نفي السماع يطلق على من لم ينتفع ولا يجيب وعرفت أن هذا هو الوجه في تشبيه من لم ينتفع بسماع آيات الله من الكفار والفساق بالموتى عرفت حينئذ وتبين لك أن عدم انتفاع الأموات بالسماع من أوضح الحجج والبيانات على أن الميت لا يدعى ولا يستمد منه لأنه إذا ثبت أنه لا ينتفع وأنه هو المشبه به بطل استمداده، واستحالة إجابته.
وفي الحديث الصحيح: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (?) فإذا انقطع عمله وكسبه لنفسه وعجز عن ذلك، وحيل بينه وبينه فكيف يمد غيره؟ ويتصرف في شيء من ملك الله: {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} (?) .
واعلم أن مسألة السماع فيها كلام للمحققين لا يحيط به علما إلا من فقه عن الله قلبه ودق في باب العلم نظره، وفهمه، وأما غليظ الطبع، قليل العلم باللسان فهو بعيد عن إدراك هذا الشأن، فتأمل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (?)