الشيخ من طوافه وصلاته ذهب إليهما وكان قد تعارف معهما في مصر فقابلاه بالحفاوة والإكرام وعاتباه على عدم نزوله عندهما فاعتذر إليهما الشيخ عبد اللطيف بقوله: إني خشيت من إمارة مكة أن تردني إلى مصر فطمأناه وتحدثا معه عن صفة خروجه من مصر فقال: اشتقنا إلى بلادنا ووجدنا السبيل إلى الخروج ميسرا فأكرماه بما يليق بمقامه ثم توادعوا لقرب سفر الشيخ إلى نجد.
وكان قدومه الرياض -العاصمة الجديدة للمملكة السعودية- عام أربعة وستين ومائتين وألف للهجرة 1264هـ وصاحب السلطة المطلقة يومئذ الإمام فيصل بن تركي في بلاد نجد وأبوه الشيخ عبد الرحمن بن حسن هو المرجع في الشؤون الإسلامية والشرعية.
وكان الشيخ عبد الرحمن قد دخل العقد الثامن من عمره واحتاج إلى مساعد قوي يعينه على مهامه الكبيرة الكثيرة وأعماله الجليلة. وكان في مقدمة مستقبليه والمرحبين إيابه يوم قدومه الرياض علما الجهاد ومجددا الدعوة في عصرها الثاني الإمام فيصل ابن الإمام تركي وأبوه الشيخ عبد الرحمن بن حسن ووالده آنذاك رئيس العلماء ومفتي الديار، فاستقر الشيخ المترجم له في مدينة الرياض بعد رحلة شاقة قطعها متنكرا من مصر حتى مدينة الرياض وقد تعرض في تلك الرحلة لمشاق كبيرة وجرت له حوادث طريقه ساعد على تجسيمها وتضخيمها لهجته المصرية التي هي غير مألوفة في نجد ولباسه التنكري الذي أراد منه أن يخلص من سفه جهال البادية وقطاع الطرق المنتشرين في طريقه.
وعندما استقر به المقام في الرياض اتخذ من المسجد الكبير المعروف بمسجد الشيخ (عبد الله) مدرسة كبيرة لتدريس مختلف الفنون والعلوم لا سيما تلك العلوم التي لم يشتهر نعليمها في نجد سابقا مثل علوم البلاغة وقواعد الفقه والأصول والتجويد بالإضافة إلى العلوم الأخرى التي كانت معرفة في نجد، وقد عرف حينذاك بسعة الأفق في العلوم وقوة الحافظة والقدرة على التعبير.