لما جاء ذو الخويصرة والرسول عليه الصلاة والسلام يقسم غنائم حنين، قال: (يا محمد! اعدل، فإنك لم تعدل -فهذه الكلمة هزت الصحابة هزاً فوالله إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ويلك! فمن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا؟!! وقال له: خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل) .
هكذا في الحديث المشهور، وفي ضبط آخر: (خبتُ وخسرتُ إن لم أعدل) وهذا الضبط واضح، أي: إن لم أعدل خبت وخسرت، و (خبتَ) أي: أنت، (وخسرتَ) إذا لم أعدل أنا.
إذاً: ما علاقته بالرجل؟ قال العلماء: لأنه إذا ظن أن نبيه لا يعدل فقد خاب وخسر بسوء ظنه في النبي صلى الله عليه وسلم، وأن سوء الظن بالنبي كفر، فهو خاب وخسر إذ ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل فقد خاب وخسر.
فقالوا: (يا رسول الله! أفلا نقتله؟ فقال: دعوه، إنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من صلبه- أقوام، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام لـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد والعشرة المبشرين وغيرهم.
يا أبا بكر! مع أنك من أعدل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، سيأتي عليك زمان تحتقر صلاتك بجانب هذا المبتدع، إذا كان أبو بكر يتصدق بماله كله فكيف ينفق المبتدع؟!! إذا كان أبو بكر يقرأ القرآن وهو يبكي حتى لا يتبين الناس قراءته من البكاء، فماذا يفعل المبتدع؟!! لكن الحال لمثل هؤلاء العباد أنه يصلي ويصوم وهو مبتدع، ويخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ليته يخرج مشياً على قدمه، لكن يخرج بسرعة السهم إذا خرج من كبد القوس.
لا تنفعه صلاته ولا صيامه ولا صدقته تلك إذ جاء بالشبهة، لأنه أصبح من أسرع الناس خروجاً من دينه، إذاً: كثرة العبادة ليس لها علاقة بالاستقامة على الهدى والدين.