الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
إن هجر المبتدع له ضوابط: فإن هذا الهجر داخلٌ في باب إنكار المنكر، وإنكار المنكر عند العلماء منوطٌ أو مقيدٌ بألا يعقب الإنكار منكراً أعظم منه، فلو كان للمبتدعة في بلدٍ ما شوكةٌ عظيمة، فأنكرت عليهم هذه البدعة قتلوك أو قلصوا دعوتك؛ حينئذٍ يجب عليك أن تتوقف في إنكار البدعة، إن البدعة لها دولة تقوم عليها، ولها إمكانات هائلة؛ لأن البدعة تواكب هوى النفس بخلاف التكليف، وسميت النصوص الشرعية تكليفاً لأنها كلفة على الناس ومشقة.
فأيهما أهون: أن تصلي جمعة في أول رجب تجبر لك تقصيرك في الصلاة طوال العمر، أو أن تصلي العمر كله؟! الأشق أن تصلي العمر كله، فكلما أذن المؤذن قمت تتوضأ وتصلي، وهناك بدعة قبيحة تتكئ على حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى الجمعة الأولى في رجب جبر كل صلاة تركها العبد قبل هذه الجمعة) .
تصوروا هذا الحديث المناقض مناقضةً صريحة لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] ، ومناقض لقوله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] الذكر هنا مقيدٌ وهو الأذان، وليس مجرد أن تسمع ذكر الله فتقوم لتصلي، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} ، فكلما ذكر الله في الأذان فقم إلى الصلاة، مع ما تواتر من النصوص الصحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الصلاة خمساً، وأحاديث المواقيت معروفة، وأجمع المسلمون إجماعاً ضرورياً على أن الصلاة خمس ولا زالوا يفعلونها.
هل تتصور أن هذا يروج على رجل عاقل؟ الجواب: لا.
وهل المبتدعة مجانين؟ الجواب: لا.
لكنهم خبثاء كسالى، يريدون أن يكونوا من الأبرار بغير جهد.
قلت لكم: إن للمبتدعة دولة في شارع عابدين، مبنى من خمسة أدوار لنشر تراث المبتدعة، وتوزع الكتب مجاناً، أو بسعر التكلفة، ولهم مجلة (الإسلام وطن) يكفرون فيها الأبرار الأخيار من العلماء، وينشرون كتباً على حساب المغفلين، الذين ينفقون أموالهم ويظنون أنهم يحسنون صنعاً بإنفاقها.
والوصية المكذوبة للشيخ أحمد، والتي فيها أن خمسين ألفاً يموتون كل سنة على غير دين الإسلام، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه في المنام وقال له ذلك، وأنه خادم الحجرة النبوية، وأن أي شخص تقع في يده هذه الورقة يجب عليه أن يكتبها خمسين مرة ويرسلها إلى الناس، والذي تصله الورقة ولا يفعل فمصيبته تكون سوداء، وأنه كان هناك مقاول كبير وصلته الورقة ولم يكتبها فاحترقت كل أمواله، وأن هناك آخر وهو فقير وصلته الورقة وكتبها فجاءه الكثير من المال.
وتصور أنه عندما ينشغل كل مسلم بكتابة خمسين ورقة فماذا بقي للمسلمين من الوقت الجاد؟! ولك أن تحسب عدد المسلمين على وجه الأرض، ولا مانع إذا وصلتك الورقة فكتبتها خمسين وأرسلتها لك مرة أخرى فتكتبها خمسين مرة أخرى، وتظل طوال عمرك كاتباً، وإلا مت على غير دين الإسلام.
هناك من يتطوع بطبع هذه الورقة وإرسالها للمسلمين حسبة لله، وجاره قد يكون على وشك الموت من الجوع فلا يعطيه رغيف خبز!! ينشر كتاب مكتوب تحته: طبع على نفقة بعض المسلمين، وهو كذبٌ على الله ورسوله، لأنه ظاهر غير مستتر، فالكذب عندما يكون مستتراً قد يهضم، ونقول: معذور صاحبه، قد يكون لفق عليه، لكن عندما يكون الكذب واضحاً جداً كيف يقال: إنه طبع على نفقة بعض المحسنين.
مضمون هذا الكتاب أنه (كان هناك رجل اسمه عبد الله على عهد النبي عليه الصلاة والسلام -إذاً هو صحابي- وكان يعاقر النساء، ويشرب الخمر، ولا يشهد الصلاة والرسول عليه الصلاة والسلام -ورغم أن هذا الرجل كان يرتكب كل هذه العظائم- كان غضبان فقط) فتصور ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل أنه فقط غضبان، يعني: الذين جلدمه في شرب الخمر هؤلاء أقل شراً من عبد الله هذا الذي يشرب الخمر، والذين قتلهم في الزنا، كان يعلم الرسول أنه يزني وتركه يزني إلا أنه غضب عليه، وهذا لا يؤدي الزكاة ولا يصوم رمضان، والرسول عليه الصلاة والسلام تركه، أليس هذا قدحاً في الرسول عليه الصلاة والسلام؟ يقول صاحب الكتاب: فلما مات عبد الله كان من الطبيعي ألا يصلي عليه الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه غضبان، فإذا بجبريل عليه الصلاة والسلام ينزل ويسد بأجنحته الآفاق، ويقول للرسول عليه الصلاة والسلام: إن الله يأمرك أن تصلي على عبد الله، فيقول عليه الصلاة والسلام -وهو لا يدري-: كيف نصلي على عبد الله؟! ولكنه مأمور، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام مندهشاً -فيظهرونه بمظهر ثالث، الذي لا يدري شيئاً ويصلي على عبد الله - ثم بعد أن جاء ليدفنه يرى الحور كل واحدة تحمل كوباً فيه عصير وتقول: خذ يا عبد الله مني، يتسابقن إليه، وهو عبد الله الفاجر الداعر المخمور، فتزداد حيرة الرسول عليه الصلاة والسلام! ويدفنه، ثم يقول للصحابة: هيا بنا نذهب لامرأته؛ لكي يعلم ماذا كان يعمل عبد الله؟! فيذهبون إلى امرأته ويدقون عليها الباب، فتقول امرأته: من الفاجر الذي يدق الباب؟ فيقال لها: يا أمة الله! اتق الله إنه رسول الله -وهذا منشور موجود وهو كتاب عندي ومكتوب عليه: طبع على نفقة بعض المحسنين، أليس هذا أولى بالقتل من قطاع الطرق؟ أليس هذا أولى بحد المحاربة؟! - فيدخل عليه الصلاة والسلام المندهش وأصحابه على المرأة ويقولون لها: ماذا كان يفعل عبد الله؛ لأن جبريل نزل والحوريات يتسابقن إليه، فماذا كان يفعل هذا الرجل؟ قالت: يا رسول الله! والله ما كان يفعل شيئاً، كان داعراً وفاجراً وسكيراً، وكان لا يصلي ولا يصوم رمضان، إلا أنه إذا كان يوم في رجب قام فصلى ركعتين ودعا الله بهذا الدعاء واستغرق هذا الدعاء في الكتاب أربع ورقات؛ فلما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه المعجزة وهذا الثواب العظيم الجزيل الذي فاته ولم يعرفه إلا من هذا المخمور قام، فقال: من سره أن يأخذ أجر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم فليقرأ هذا الدعاء.
إذاً: ما هو المطلوب من هذا الكتاب؟ المطلوب هو ألا تصلوا! ولا تزكوا ولا تصوموا، ولكن في أول ليلة من رجب قوموا واقرءوا هذا الدعاء فتأخذوا أجر أولي العزم من الرسل.
قلت لكم: إنه كذب قبيح لا يمكن أن ينطلي على أحد ومع ذلك ينشر، كيف ينشر ويقال: طبع على نفقة بعض المحسنين؟! إنه يذكرني بالمرأة التي ذهبت إلى رجلٍ قاتل محترف، وقالت له: إن زوجي قتله فلان أريدك أن تقتله، فقال: بكم؟ فبكت المرأة وقالت: أنا فقيرة! فرق قلب القاتل لها وقال: سأقتله لوجه الله!! ثم يكتب على الكتاب: طبع على نفقة بعض المحسنين! يمكن أن تنطلي بدعة مغلفة على إنسان ويعذر لها، لكن هذا المناقض لدين الإسلام كليةً وجزئيةً، كيف يمكن أن يقال: إن هذا إحسان؟!! قلت لكم: إن المبتدعة لهم دولة، وأهل السنة لا يملكون إلا مجلة ضعيفة تعاني من نقص الإمكانيات، كل إماكانياتهم ضعيفة، ومجلة هؤلاء مرصود لها الملايين على نفقة بعض المحسنين.
ينبغي أن يكون الإنسان فقيهاً إذا أنكر البدعة، وهذا له مجالٌ آخر.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يقينا وإياكم شر البدعة، ويقبضنا وإياكم على المحجة البيضاء، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.