وهذا التقسيم مبني على النظر المذكور سلفاً من جهة اقتران البدعة بالعمل المشروع، أو انفصالها عنه أولاً، ثم من جهة اعتماد فاعلها على الدليل ثانياً .. وقد بين الشاطبي معنى هذا التقسيم عند ذكره للأمثلة على كل قسم، وأطنب في ذلك وسأكتفي في هذا المجال بذكر بعض الأمثلة ...

فمثال القسم الأول: وهو الذي يقرب من الحقيقية حتى يكاد يعد منها:

ملازمة الخشن من الثياب أو الطعام مع القدرة على غيره من الطيبات لمجرد التشديد على النفس، بقصد التقرب إلى الله تعالى بذلك لا لأجل غرض صحيح معتبر شرعاً: ككسر كِبْر، أو إسقاط عُجْب، أو مقاومة شهوة باطلة، ونحو ذلك .. فهذا من البدع الإضافية الذي يقترب من الحقيقية حتى تكاد تعد البدعة حقيقية؛ وذلك لأن فيه إيثار الحرمان على التنعم بنعم الله المباحة، وفيه التشديد والتنطع الذي نهى عنهما الشرع، وفيه القصد إلى ما تكرهه النفس بما ليس من مطلوبات الشرع، ولا من مقاصده، لأن الشرع لم يقصد إلى تعذيب النفس والتشديد عليها في التكليف وهذا مخالف لقوله: - صلى الله عليه وسلم -: (إن لنفسك عليك حقاً)) (?) ...

فمن عمد إلى مخالفة محبات النفس التي أباحها الشرع من غير غرض صحيح معتبر شرعاً، فهو مبتدع يتقرب إلى الله بما لم يشرعه، مثل مخالفة النفس في النكاح، أو المنام، أو بعض أنواع الطعام أو اللباس المباح، كل ذلك داخل تحت هذا النوع من البدع الإضافية، الذي يقترب من البدع الحقيقية بل إن بعض أنواع هذا القسم هو من البدع الحقيقية بلا ريب ... وإنما عُدَّت من البدع الإضافية؛ لكون فاعلها يعتمد على بعض الأدلة التي تدعو للزهادة في الدنيا، والتخفف من مباحاتها، وبعض سير السلف – رحمهم الله – في ذلك مما قد يعد شبه استدلال، وقد مر أن البدعة الإضافية في إحدى جهتيها تتعلق بالسنة لأنها مستندة إلى دليل شرعي، وفي الجهة الأخرى بدعة، لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل ...

أما القسم الثاني من أقسام البدعة الإضافية، وهو ما يبعد عن البدعة حتى يكاد يعد سنة محضة ... فقد ضرب له الشاطبي بعض الأمثلة منها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015