مقصودة بالقصد الثاني دون الأول، فهي تدخل تحت باب الوسائل؛ لأنها إنما شرعت لأجل التوسل بها إلى تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة، ويدل على ذلك أن هذه المصلحة يسقط اعتبارها، والالتفات إليها شرعًا متى عورضت بمفسدة أربى منها، وحينئذٍ فمن غير الممكن إحداث البدع من جهة المصالح المرسلة.
3 - تعود المصالح المرسلة عند ثبوتها إلى حفظ منفعة وجلب مصلحة، أو درء مفسدة
ورفع حرج، فتكون من الوسائل (?) لا من المقاصد وهي وسائل تعود إلى تحقيق مقاصد الشرع، أما البدعة فإنها - وإن تخيل فاعلها المنفعة فيها - فإنها تعود على دين معتقدها وفاعلها بالمفاسد العظيمة والمخاطر الجسيمة، ثم إنها في عامة أحوالها تناقض مقاصد الشرع الحنيف.
4 - وتنفرد البدعة بكونها مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها - لكي تعتبر شرعًا - لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة، وأن تكون خادمة لها، وغير معارضة لنص في خصوص، أو عموم، أو في منطوق، أو مفهوم قطعي، أو ظني جلي، أو غير جلي بحيث تكون ملائمة لمقاصد وكليات الشريعة، وإلا لم تعتبر.
5 - سبق بيان أن الوصف الذي يتعلق به الحكم له ثلاثة أحوال:
الأول - أن يشهد الشرع بقبوله، والثاني أن يشهد الشرع برده، والثالث ما سكتت عنه الشواهد الخاصة ولم تشهد له باعتبار ولا بإلغاء، فإن كان ملائما لتصرفات الشرع أو يوجد له معنى من جنسه اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين ولم يناقض أصلا أو دليلا أو قياسا صحيحا فهو ما يسمى بالمصالح المرسلة.
وأما البدعة فلا تخرج عن القسم الثاني، وهو ما شهد الشرع بطلانه والذي اتفقت الأمة على إهماله ورده وعدم إعماله.
6 - وتنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.