بعضها يقول بعضا كما قد عرفت، وأيضًا فإن هذه الأحاديث محتملة الدلالة على ما طلبوه، فإن كسر الشدة قد يكون لاشتداد حلاوتها أو لحموضتها، ومع الاحتمال لا يحتج به؛ وكذا حديث: "اشرلا ولا تسكرا"، وحديث: "فاشربوها فيما بدا لكم ولا تسكروا"، فإنهما معارضان بما هو أقوى، ولو سلم التساوي تساقط الاحتجاج بها، ورجع إلى إثبات حكم النبيذ بالقياس على الخمر، وأيضًا فإن لفظ الخمر قد تناولها شرعًا، وإن لم يتناولها لغة، والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية، والقياس مؤيد لأحاديث التحريم، فإن الشارع حرم قليل الخمر سدا لذريعة التوصل إلى القدر المسكر، وهذا موجود في النبيذ، فإن شرب النبيذ قليله يدعو إلى شرب كثيره، فيناسبه سد الذريعة، والآية الكريمة لا حجة فيها للاحتمال، والقياس الذي ذكروه معارض بهذا القياس المذكور، فترجح ما ذهب إليه الجمهور من تحريم القليل من النبيذ كالكثير، وكذا يحرم ما أسكر وإن لم يكن مشروبا كالحشيشة وغيرها، وقد جزم [النووي] (أ) وغيره والإمام المهدي -صرح بذلك في "الأزهار"- بأنها مسكرة، وجزم آخرون بأنها مخدرة وليست بمسكرة. قال المصنف رحمه الله تعالى (?): وهو مكابرة؛ لأنها تحدث ما يحدث الخمر من الطرب والنشاة والمداومة عليها والانهماك فيها، وإذا سلم عدم الإسكار فهي مفترة، وقد أخرج أبو داود (?)، أنه نهى