ومنها: أن من الأصول أن البينة على المدعي، واليمين على المنكر. ومنها: أن هذا الحديث لم يكن فيه حكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقسامة، وإنما كانت حكمًا جاهليًّا فتلطف لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام.

والجواب عن مخالفة الأصول، بأن سنة القسامة سنة بنفسها منفردة مخصصة للأصول كسائر السنن المخصصة للحاجة إلى شرعيتها، حياطة لحفظ الدماء وردع المعتدين، وذلك لأن القتل لما كان يكثر، وقد يقل حضور الشهود عليه؛ لأن القاتل إنما يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، ويترصد أوقات الغفلات -جعلت هذه السنة حفظًا للدماء، فصارت أصلًا مستقلا يتبع و (أ) يستعمل، ولا تطرح سنة بسنة، وعدَّى اعتبار هذه المصلحة الإمام مالك في حق الأموال أيضًا، فإنه أجاز شهادة المسلوبين على السالبين، وإن كانوا مدَّعين؛ لأن قاطع الطريق إنما يفعل ذلك مع الغفلة والانفراد عن الناس، ولعله يقول بمثل ذلك في حق المسروق، فإن الشهادة على السرقة متعذرة بحسب الأغلب.

ثم الجمهور القائلون بثبوت القسامة اختلفوا، هل يجب فيها القود أو الدية؟ فذهب معظم الحجازيين إلى إيجاب القود بها إذا كمل شروطها، وهو قول الزهري، وربيعة، وأبي الزناد، ومالك، والليث، والأوزاعي، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وروي ذلك عن بعض الصحابة كابن الزبير، واختلف عن عمر بن عبد العزيز،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015