وحكاه الطبري عن جابر بن زيد (?)، وحكي عن طائفة من فقهاء البصرة، وحجته في ذلك ما وقع في حديث سهل روايته لقصة عويمر أنه قال بعد التلاعن: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه في "الصحيحين" (?) وسيأتي قريبا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه الطلاق بعد اللعان، بل هو أنشأ طلاقها، ونزه نفسه أن يمسكها، وقرره على قوله: إن أمسكتها. وفيه إشعار بإمكان الإمساك. وأجيب عن ذلك بأن الطلاق وقع منه بغير إذن من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والطلاق لم يزد التحريم الواقع باللعان إلا تأكيدًا، فلا يحتاج إلى إنكاره ودفع حكمه، وأما قوله: كذبت عليها إن أمسكتها. فهو لا يدل على أن إمساكها بعد اللعان مأذون فيه شرعًا، وإنما بادر إلى فراقها، وإن كان الأمر صائرًا إليه وذهب أبو عبيد إلى أن الفرقة تقع بمجرد القذف.

واختلف العلماء في فرقة اللعان؛ هل هي فسخ أو طلاق بائن؟ فذهب الهدوية والناصر والمؤيد والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنها فسخ، قالوا: لأنها توجب تحريمًا مؤبدًا فكانت فسخا كفرقة الرضاع؛ لقوله: "لا يجتمعان أبدًا". ولأن اللعان ليس صريحًا في الطلاق ولا كناية فيه. وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد بن الحسن إلى أنها طلاق بائن، قالوا: لأنها لا تكون إلا من زوجة، فهي من أحكام النكاح المحضة، فهي طلاق؛ إذ هو من أحكام النكاح المختصة به، بخلاف الفسخ فإنه قد يكون من أحكام غير النكاح؛ كالفسخ بالعيب. والجواب أنه لا يلزم من اختصاصه بالنكاح أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015