من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصالح قريشًا على أن يرجع من العام القابل، والقصة مشهورة فلما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإحلال توقفوا، وأشارَتْ أم سلمة أن يحل هو - صلى الله عليه وسلم - قبلهم ففعل فتابعوه فحلق بعضهم، وقصر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى الامتثال ممن اقتصر على التقصير، وقد بُيِّن هذا السبب في آخر حديث ابن عباس عند ابن ماجه وغيره أنهم قالوا: "يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم، قال: لأنهم لم يشكوا" (?)، وأما في حجة الوداع فلأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يسق الهدي بالإحلال، وقد كان شق على جماعة من الصحابة ففعل بعضٌ التقصير لأنه أخف، فهو كذلك لم يخلص الامتثال، بل بقي معه شك، وفعل بعض الحلق لمبادرته إلى إخلاص الامتثال، واستحق تأكيد الدعاء له لأنه أبين في الامتثال، كذا قاله ابن الأثير في "النهاية" وغيره (?).

وقال الخطابي وغيره: إن عادة العرب أن توفر الشعر لكونه من الزينة عندهم، وكان الحلق قليلًا، وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زي الأعاجم، فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير.

والحديث فيه دلالة على شرعية الحلق والتقصير، وأن الحلق أرجح وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة، حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض، وقد ثبت عن الحسن خلافه.

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في الذي لم يحج قط إن شاء حلق وإن شاء قصر.

وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي، قال: "إذا حج الرجل أول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015