وإتمام العمرة بعد الشروع فيها ذلك لا يقتضي وجوب الابتداء، قال: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود وفيه قدم وفد نجران على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلَتْ عام تبوك سنة تسع، وفيها نزلت صدر آل عمران، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى المباهلة، ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم بما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (?) فأعاضهم الله من ذلك بالجزية، ونزول هذه الآيات والمناداة بها إنما كانت في سنة تسع، وبعث الصديق يؤذن بذلك في مكة في مواسم الحج، وأردفه بعلي - رضي الله عنه - وقد قال به غير واحد من السلف، انتهى كلامه.

548 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إِلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إِلا الجنة" متفق عليه (?).

قوله "العمرة إِلى العمرة" العمرة في اللغة: الزيارة، وقيل القصد، وفي الشرع: هي إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير، وسميت بذلك لأنه يزار البيت الحرام، أو يقصد، أو لكونها تقع في العمر مرة، أو لكونها في مكان عامر، وفي قوله: "العمرة إلى العمرة" دلالة على أنه لا كراهة في تكرار الاعتمار بل إنه يستحب ذلك خلافًا للمالكية، فإنهم قالوا يكره في السنة أكثر من عمرة واحدة، وبعضهم قال في الشهر، واستدل له بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله عندهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015