قوله "لا تُشد" بضم أوله، ولا للنفي، والمراد به النهي مجازًا للمبالغة في النهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى به عن السفر لكونه لازمه في الأغلب، وفي بعض الألفاظ: "إنما يسافَر .... " (?) والاستثناء مفرغ بقدر عام مدلول عليه لخصوصه بقرينة الاستثناء، والمعنى لا تشد إلى مسجد إلا متقرب فيه للعبادة، والحرام يعني المحرم، كالكتاب بمعنى المكتوب، وهو صفة للمسجد وهو مجرور على البدلية، والمراد بالمسجد الحرام، ويؤيده قوله: "مسجدي هذا" حيث عينه وأراد به موضع الصلاة المعروف بنسبته إليه، وأطلق على الحرام اسم المسجد دلالة على أنه جميعه محل العبادة والتقرب، ويدل على هذا ما رواه أبو داود الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم لأنه كله مسجد، وسيأتي استيفاء الخلاف فيه في آخر الحج في حديث "صلاة في مسجدي والمسجد الأقصى" المراد بيت المقدس، وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقيل في الزمان.
وقال الزمخشري: سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد، وقيل لبعده عن الأقذار والخبث وقيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة، وبيت المقدس أبعد منه ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها: إيلياء بالمد والقصر، وبحذف الياء الأولى وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث، وبيت المقدس بسكون القاف وبفتحها مع التشديد، والقُدس بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال وبضمها، وشلم بالمعجمة وتشديد اللام، وبالمهملة، وشلام