وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ وَكَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ عَلَى الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ فَرَقَاهُ مِنْ وَجَعٍ حَصَلَ فَاتَّفَقَ زَوَالُهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ لِوَالِدَتِهِ السَّيِّدَةِ أُمِّ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ فَزَالَتْ عِلَّتُهَا فَنَفَقَ سُوقُهُ وَحَظِيَ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، فَلَمَّا انْتَشَرَ الْكَلَامُ فِيهِ سُلِّمَ إِلَى الْوَزِيرِ حَامِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَحَبَسَهُ فِي قُيُودٍ كَثِيرَةٍ فِي رِجْلَيْهِ وَجَمَعَ لَهُ الْفُقَهَاءَ، فَأَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِهِ وَزَنْدَقَتِهِ وَأَنَّهُ سَاحِرٌ مُمَخْرِقٌ، وَرَجَعَ عَنْهُ رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِمَّنْ كَانَ اتَّبَعَهُ، أَحَدُهُمَا أَبُو عَلِيٍّ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُورَاجِيُّ، وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ الدَّبَّاسُ فَذَكَرَا مِنْ فَضَائِحِهِ وَمَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَالْمَخْرَقَةِ وَالسِّحْرِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ أُحْضِرَتْ زَوْجَةُ ابْنِهِ سُلَيْمَانَ فَذَكَرَتْ عَنْهُ فَضَائِحَ كَثِيرَةً، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْشَاهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَانْتَبَهَتْ، فَقَالَ: قُومِي إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَهَا وَأَمَرَتْهَا ابْنَتُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، فَقَالَتْ: أَوَيَسْجُدُ بِشَرٌ لِبَشَرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ تَحْتِ بَارِيَةٍ هُنَالِكَ مَا أَحَبَّتْ، فَوَجَدَتْ تَحْتَهَا دَنَانِيرَ كَثِيرَةً مَبْدُورَةً.
وَلَمَّا كَانَ مُعْتَقَلًا فِي دَارِ حَامِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْغِلْمَانِ وَمَعَهُ طَبَقُ فِيهِ طَعَامٌ لِيَأْكُلَ مِنْهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَلَأَ الْبَيْتَ مِنْ سَقْفِهِ إِلَى أَرْضِهِ، فَذُعِرَ ذَلِكَ الْغُلَامُ، وَأَلْقَى مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّبَقِ وَالطَّعَامِ وَرَجَعَ مَحْمُومًا فَمَرِضَ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
وَلَمَّا كَانَ آخِرُ مَجْلِسٍ أُحْضِرَ الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ وَجِيءَ بِالْحَلَّاجِ وَقَدْ أُحْضِرَ لَهُ كِتَابٌ مِنْ دُورِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِ: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ