عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ صَاحِبُ " السُّنَنِ "، الْإِمَامُ فِي عَصْرِهِ وَالْمُقَدَّمُ عَلَى أَضْرَابِهِ وَأَشْكَالِهِ وَفُضَلَاءِ دَهْرِهِ رَحَلَ إِلَى الْآفَاقِ وَاشْتَغَلَ بِسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَالِاجْتِمَاعِ بِالْأَئِمَّةِ الْحُذَّاقِ، وَمَشَايِخُهُ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ مُشَافَهَةً قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِنَا " التَّكْمِيلِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَتَرْجَمْنَاهُ أَيْضًا هُنَالِكَ، وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَقَدْ جَمَعَ السُّنَنَ الْكَبِيرَ وَانْتَخَبَ مِنْهُ مَا هُوَ أَقَلُّ حَجْمًا مِنْهُ بِمَرَّاتٍ، وَقَدْ وَقَعَ لِي سَمَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ أَبَانَ فِي تَصْنِيفِهِ عَنْ حِفْظٍ وَإِتْقَانٍ وَصِدْقٍ وَإِيمَانٍ وَتَوْفِيقٍ وَعَلَمٍ وَعِرْفَانٍ.
قَالَ الْحَاكِمُ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُذْكَرُ بِهَذَا الْعِلْمِ مَنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَكَانَ يُسَمِّي كِتَابَهُ الصَّحِيحَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: إِنَّ لِلنِّسَائِيِّ شَرْطًا فِي الرِّجَالِ أَشَدَّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ الْإِمَامُ فِي الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ: سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا بِمِصْرَ يَعْتَرِفُونَ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْإِمَامَةِ وَيَصِفُونَ مِنَ اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْحَجِّ وَالِاجْتِهَادِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَكَانَتْ لَهُ