فِيهَا كَانَ مَقْتَلُ صَاحِبِ الزَّنْجِ قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُوَفَّقَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ شَأْنِ مَدِينَةِ صَاحِبِ الزَّنْجِ وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ وَاحْتَازَ مَا كَانَ بِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَقَتَلَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَسَبَى مَنْ وَجَدَ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، وَقَدْ هَرَبَ صَاحِبُ الزَّنْجِ عَنْ حَوْمَةِ الْجِلَادِ وَالنِّزَالِ، وَسَارَ إِلَى بَعْضِ الْبِلَادِ طَرِيدًا شَرِيدًا بِشَرِّ حَالٍ، عَادَ الْمُوَفَّقُ - وَفَّقَهُ اللَّهُ - إِلَى مَدِينَتِهِ الْمُوَفَّقِيَّةِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَقَدِمَ عَلَيْهِ لُؤْلُؤَةُ غُلَامُ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ مُنَابِذًا لِسَيِّدِهِ سَمِيعًا مُطِيعًا لِلْمُوَفَّقِ، فَكَانَ وُرُودُهُ عَلَيْهِ فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَأَعْطَاهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَبَعَثَهُ طَلِيعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ لِقِتَالِ صَاحِبِ الزَّنْجِ وَرَكِبَ الْمُوَفَّقُ فِي الْجُيُوشِ الْكَثِيفَةِ الْهَائِلَةِ وَرَاءَهُ، فَقَصَدُوا الْخَبِيثَ وَقَدْ تَحَصَّنَ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ مُحَاصِرًا لَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْهَا ذَلِيلًا وَهُوَ صَاغِرٌ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَا كَانَ بِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْمَغَانِمِ، ثُمَّ بَعَثَ السَّرَايَا وَالْجُيُوشَ وَرَاءَهُ، فَأَسَرُوا عَامَّةَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَحُمَاتِهِ ; مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ، فَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِأَسْرِهِ وَكَبَّرُوا فَرَحًا بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ، وَحَمَلَ الْمُوَفَّقُ بِمَنِّ مَعَهُ حَمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى أَصْحَابِ الْخَبِيثِ فَاسْتَحَرَّ فِيهِمُ الْقَتْلُ، وَمَا انْجَلَتِ الْحَرْبُ حَتَّى جَاءَ الْبَشِيرُ بِقَتْلِ