فَقُرَاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ. ثُمَّ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ رَجَعَ يَبْكِي حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَاكِيًا فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ فَذَكَرَ أَمْرَهُ، وَمَا صَرَفَ مِنَ الْمَالِ الْجَزِيلِ لِأَجْلِ شَهْوَتِهِ، وَإِنَّمَا نَالَهُ مِنْهَا لُقْمَةٌ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِجَعْفَرٍ: هَلْ كَانَ مَا يَذْبَحُونَهُ مِنَ الْجَزُورِ يَفْسَدُ، أَوْ يَأْكُلُهُ النَّاسُ؟ قَالَ: بَلْ يَأْكُلُهُ النَّاسُ. فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِثَوَابِ اللَّهِ فِيمَا صَرَفْتَهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَكَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَبِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَبِمَا رَزَقَكَ اللَّهُ مِنْ خَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فَأَمَرَ لَهُ الرَّشِيدُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِطَعَامٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ فَكَانَ غَدَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَشَاءً.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ: اجْتَمَعَ لِلرَّشِيدِ مِنَ الْجِدِّ وَالْهَزْلِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ، كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَاضِيَهُ، وَالْبَرَامِكَةُ وُزَرَاءَهُ، وَحَاجِبُهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنْبَهُ النَّاسِ، وَأَشَدُّهُمْ تَعَاظُمًا، وَنَدِيمُهُ عَمُّ أَبِيهِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَشَاعِرُهُ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَمُغَنِّيهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَوْصِلِيُّ وَاحِدُ