مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ذَكَرْتُ كَلَامًا دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ جَارِيَتِي الْبَارِحَةَ. فَقَالَ: بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ. قَالَ: حَتَّى تَأْكُلَ هَذِهِ اللُّقْمَةَ، فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِكَمْ تَقُولُ إِنَّ هَذَا الطَّعَامَ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ يُقَوَّمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ طَلَبْتَ مِنْ طَبَّاخِكَ هَذَا لَحْمَ جَزُورٍ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: لَا يَخْلُوَنَّ الْمَطْبَخُ مِنْ لَحْمِ جَزُورٍ، فَنَحْنُ نَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا؛ لِأَنَّا لَا نَشْتَرِي لَحْمَ الْجَزُورِ مِنَ السُّوقِ، فَصُرِفَ فِي لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَطْلُبْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، قَالَ جَعْفَرٌ: فَضَحِكْتُ؛ لِأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا نَالَهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ اللُّقْمَةُ، فَهِيَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: فَبَكَى الرَّشِيدُ بُكَاءً شَدِيدًا، وَأَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ يُوَبِّخُهَا، وَيَقُولُ: هَلَكْتَ وَاللَّهِ يَا هَارُونُ. وَأَمَرَ بِرَفْعِ السِّمَاطِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ رَجَعَ يَبْكِي، وَقَدْ أَمَرَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ تُصْرَفُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمَيْنِ، فِي كُلِّ حَرَمٍ أَلْفُ أَلْفٍ صَدَقَةً، وَأَمَرَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي جَانِبَيْ بَغْدَادَ؛ الْغَرْبِيِّ، وَالشَّرْقِيِّ، وَبِأَلْفِ أَلْفٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى