فَأَعْيَاهُ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَى دَارِ مَرْوَانَ وَهُمْ بِهَا مُجْتَمِعُونَ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ بَعَثَ إِلَى بَنِي حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَجَمَعَهُمْ وَمَعَهُمْ رُءُوسٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، فَوَعَظَهُمْ وَأَنَّبَهُمْ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَطَلَّبُ هَذَا الرَّجُلَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، ثُمَّ مَا كَفَاكُمْ كِتْمَانُهُ حَتَّى بَايَعْتُمُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؟ وَاللَّهِ لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ. فَأَنْكَرَ الَّذِينَ هُمْ هُنَالِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ أَوْ شُعُورٌ بِشَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ مِمَّا يَقُولُهُ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَأْتِيكَ بِرِجَالٍ مُتَسَلِّحِينَ يُقَاتِلُونَ دُونَكَ إِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَنَهَضُوا فَجَاءُوهُ بِجَمَاعَةٍ مُتَسَلِّحِينَ، فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا إِذَنْ لَهُمْ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَدِيعَةً. فَجَلَسَ أُولَئِكَ عَلَى الْبَابِ، وَمَكَثَ النَّاسُ جُلُوسًا حَوْلَ الْأَمِيرِ وَهُوَ وَاجِمٌ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا قَلِيلًا، حَتَّى ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ مَا فُجِئَ النَّاسُ إِلَّا وَأَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ ظَهَرُوا وَأَعْلَنُوا بِالتَّكْبِيرِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَشَارَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ عَلَى الْأَمِيرِ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ بَنِي الْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: عَلَامَ وَنَحْنُ مُقِرُّونَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؟ وَاشْتَغَلَ الْأَمِيرُ عَنْهُمْ بِمَا فَجَأَهُ مِنَ الْأَمْرِ، فَاغْتَنَمُوا الْغَفْلَةَ، وَنَهَضُوا سِرَاعًا فَتَسَوَّرُوا جِدَارَ الدَّارِ، وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ عَلَى كُنَاسَةٍ هُنَالِكَ.
وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَارِسًا، فَأَقْبَلَ بِمَنْ مَعَهُ، فَمَرَّ بِالسِّجْنِ فَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ، وَجَاءَ دَارَ الْإِمَارَةِ، فَحَاصَرَهَا فَافْتَتَحَهَا، وَأَمْسَكَ عَلَى رِيَاحِ بْنِ عُثْمَانَ نَائِبِ الْمَدِينَةِ فَسَجَنَهُ فِي دَارِ مَرْوَانَ، وَسَجَنَ مَعَهُ