فَلَمَّا سَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْعِرَاقِ نَظَرَ يَوْمًا إِلَى كُثَيِّرِ عَزَّةَ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِ. فَلَمَّا جِيءَ بِهِ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَخْبَرْتُكَ بِمَا كُنْتَ تُفَكِّرُ بِهِ تُعْطِينِي حُكْمِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ. قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّكَ تَقُولُ فِي نَفْسِكَ: هَذَا رَجُلٌ لَيْسَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِي، وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى قِتَالِ رَجُلٍ آخَرَ لَيْسَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِي، فَإِنْ أَصَابَنِي سَهْمٌ غَرْبٌ مِنْ بَيْنِهِمَا خَسِرْتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ. فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاحْتَكِمْ. قَالَ: حُكْمِي أَنْ أَرُدَّكَ إِلَى أَهْلِكَ وَأُحْسِنَ جَائِزَتَكَ. فَأَعْطَاهُ مَالًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِانْصِرَافِ.
وَقَالَ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ، عَنْ كُثَيِّرِ عَزَّةَ: وَفَدْتُ أَنَا وَالْأَحْوَصُ وَنُصَيْبٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَنَحْنُ نَمُتُّ إِلَيْهِ بِصُحْبَتِنَا إِيَّاهُ وَمُعَاشَرَتِنَا لَهُ لَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَكُلٌّ مِنَّا يَظُنُّ أَنَّهُ سَيُشْرِكُهُ فِي الْخِلَافَةِ، فَنَحْنُ نَسِيرُ وَنَخْتَالُ فِي رِحَالِنَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى خُنَاصِرَةَ وَلَاحَتْ لَنَا أَعْلَامُهَا، تَلَقَّانَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا أَقْدَمُكُمْ؟ أَوَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُحِبُّ الشِّعْرَ؟ قَالَ: فَوَجَمْنَا لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَنَا مَسْلَمَةُ عِنْدَهُ، وَأَجْرَى عَلَيْنَا النَّفَقَاتِ وَعَلَفَ دَوَابَّنَا، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَنَا عَلَى عُمَرَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجُمَعِ دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَسْمَعَ خُطْبَتَهُ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: لِكُلِّ سَفَرٍ زَادٌ لَا مَحَالَةَ، فَتُزَوَّدُوا لِسَفَرِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ بِالتَّقْوَى، وَكُونُوا كَمَنْ عَايَنَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ عَذَابِهِ